الأحد، 12 أبريل 2009

النباتات لا تتكلم لكنها غير صامتة بالنسبة للعالم والفنان


يسمح التطور في أجهزة التصوير الفوتوغرافي من السعة البصرية الإنسانية، وستتسع الرؤيا أكثر لو وضعت في أيدي العلماء، بالرغم من أن فن الفوتوغراف أثبت نفسه في مجالات عديدة أخرى غير العلم. ولم تكن نوايا ومواهب المصورين إلا عنصرا واحدا من مجموعة عناصر حسّنت الرؤية.
غير أن ثمة عوامل دعمت العمل الفني خارجة عن نطاق الرؤيا العادية تتقدمها الآلات البصرية الدقيقة والأشعة السينية والمرشحات الأخرى بما فيها الـ photochemistry. ومن يطلع على تقنيات الصور التي تتناول توثيق التجارب العلمية ونتائجها، سيجد استعارة للنظرة الساحرة لفناني التصوير من دون انتهاك لمعطيات التجارب وتقصي نتائجها، مع البقاء ضمن حدود مبتكرة ما بين العلم والفن، هذه الحدود التي تجاوزت فن التصوير في القرن العشرين بمهارة خاصة جمعت كل المدارس والأساليب، لنجد فيها الصور السريالية لروبرت رايسنبرغ وانطباعية فيجا كيلمنس وبالتالي فالصورة الفنية – العلمية خرجت بإمكانية جمالية فريدة. المؤرخ الفني جيمس الكينز يحاول إقناع الناس في الفرق ما بين الصورة العلمية وإنتاج الصورة الفنية، متعذرا في أن الأولى لا تقبل الرمزية.
ولكن ما حدود الإدهاش بين الصنفين، هل يتعذر على الصورة العلمية التي يتبناها الفيزيائيون مثلا، من التقاط صورا للطيف «أقل رمزية» لمن يلتقط صورة لطير على حافة جسر ينهار! انها جدلية لا طائل لها ولا فائدة، طالما أن صور علماء الفلك وأولئك النابهين الذين يصورون عبر المجاهر الدقيقة نتائج أبحاثهم في فيزياء الكم والجزيئات وإذا أضفنا إلى ذلك، تقدم العلوم وما أدى إلى دفع التصوير الفوتوغرافي ليتجاوز التقليدي ويمنحه «الشرارة» التي أخرجت فن الفوتوغراف من أزمته ومنحه ثقافة بصرية أعلى بتطور قوانين الضوء، وإذا كان الفن والعلم لا يؤمنان بحقيقة نهائية. فذلك أجدى للفنانين المعاصرين التوصل إلى عصرهم الذهبي الذي هيأته لهم العلوم. لقد أثارت تقنية الفوتوغراف العلماء منذ اكتشاف التصوير بفضل الهواة الممتازين الذي وعدوا بتسجيل الظواهر، وكأن العلماء على مر العصور كانوا يهتمون بالمريبة منها. ووفقا لذلك، تجري حاليا وفي معارض كثيرة في العالم، حالة المزج الفعال بين الفوتو- آرت وخدمات المجهر والمنظار والكهربائية المغناطيسية والأشعة المختلفة، وبذلك منحت العلوم روحا جديدة للصورة الفنية.
والفوتو-آرت يلتقي مع العلم في الهدف أيضا، لأن نظرة الاثنين المعقدة تتحرى زوايا الطبيعة المخفية، وكما يبغض الفن الوضوح، فان طباع العلوم تميل إلى تعدد الطرق في المحاولة. لذلك نرى العالم والمصور في المزاج ذاته حينما ينتظرون الظفر. نجدهم يخططون ويجرون حساباتهم وفي الوقت نفسه يعتمدون على الصدفة والتكرار وتصحيح الأخطاء، انهم كمن ينقش في الماء.
ان الموهوبين المبكرين الذين ظهروا مع كاميرات مطلع القرن التاسع عشر حشدوا في صورهم الفوتوغرافية الحياة كلها بتحركها وظواهرها ونيـّاتها وحيواناتها وطيورها وأسماكها وأمواجها، ندف الثلج وألق البرق، كأنهم كانوا يحركون كل شيء، لم تفلت منهم حالة واحدة وكانوا يتابعون تخمين الطبيعة حتى لو لطخوا عَدوهم السريع نحو اللقطة بالإبهار الكبير الشبيه بالتلفيق. لنطالع صور علوم الأحياء، الجو وحيوانات البحر والفطر في الغابات، الكائنات الغريبة بألوانها الحيوية، حلزونات الليف المعلقة وعرائس النهر الملتصقة بالأشجار، تناظر أثيري، مهدد ولطيف.
النباتات لا تتكلم، لكنها غير صامتة بالنسبة للعالم والفنان، سيهتم الأول بالتركيب، فيما الثاني بالعاطفة، والنتيجة واحدة في الحالتين، كلاهما يجنحان للتفكيك المثير للخصلة الأصغر للزهور القاحلة التي ذبلت قبل أوانها وما ان تنكسر «عباد الشمس» يكون العالم والفنان هناك.