الأربعاء، 20 مايو 2009

الحقيقة العلمية لفيروس «انفلونزا الخنازير»


الحالة العصبية التي تشغل المجموعات العلمية والطبية في العالم بدأت منذ الإجهاد الذي سببه تفشي فيروس الانفلونزا الجديدة التي اتخذت لها بعض التسميات منذ أبريل الماضي ولكنه استقر على «انفلونزا الخنازير» بدعم وتوافق ما بين أجهزة الإعلام. العلماء لا يكادون يستقرون على الجزم في انتقاله ما بين البشر (محاولين عدم الخوض في الأنباء والتصريحات التي تصدر عن غير المتخصصين)، لكن ولسبب ما، تمت إمالة المصدر نحو المكسيك، في حين ان الحالة الأولى اكتشفت في الولايات المتحدة، ويبدو ان المكسيك تلقت الذنب في هذا المرض الغامض لكون الإصابات المسجلة فيها كانت أكثر.
ان ما يقلق المؤسسات الصحية هو تحول هذا المرض الغامض إلى وباء والأكثر من ذلك أن يكون الفيروس قاتلا. فمعدلات انتشاره قد تكون من مهام منظمة الصحة العالمية وكذلك متابعتها وحصرها ضمن «الأوبئة التاريخية» التي ضربت العالم على مرّ العصور، لكن العالم العلمي والطبي له دقته وطريقته في التعامل مع هذه المتاعب.
منحنى الوباء
وبالرغم من أن منظمة الصحة العالمية تحاول طمأنة الرأي العام في أن تفشي الفيروس «معتدل نسبيا» و«أقل من قاتل»، فإن ذلك لم يمنع عالما متخصصا مثل ريتشارد بيسر من التصريح في أن ما يحدث في وقت لاحق من هذا العام سيحدد صعود منحنى انتشار الفيروس أو هبوطه، مشيرا إلى أن هذا المنحنى قد يتغير خلال الأشهر القليلة القادمة وربما يحمل أخطارا جديدة.
تشكيل الفيروس
علماء آخرون أكدوا على أن فيروس «انفلونزا الخنازير» تشكل من أربعة فيروسات، لكنه يستوطن كمرض واحد في البشر، واقترح أحدهم المكتشف بعد ظهور انفلونزا الطيور بينما أحدها موروث من الخنزير الذي اتفقوا على تسميته «آر أن أي».
وهذا بطبيعة الحال تحليل تمهيدي اتخذ مراحله التجريبية التالية:

1_ أحد الفيروسات reassortant الثلاثية عرفتها أميركا الشمالية في 1998. وبدخوله في سياقه التاريخي، فان العلماء يخمنون تأثيره على 5-15% من سكان العالم، وقد يسبب نصف مليون وفاة في العام، وسيتعرض لخطره بنسبة أكبر: الأطفال والمسنون والمصابون بأمراض مزمنة.

2_ ان متابعة تاريخ الفيروس تؤكد على أنه تسبب في ثلاثة أوبئة عالمية رئيسية في القرن العشرين: الإنفلونزا الإسبانية في 1918، الحُمى الآسيوية في 1957 وانفلونزا هونك كونك في 1968 - 1969. هذه الأوبئة كان سببها الإنفلونزا أي الفيروس الذي يمر بالتغييرات الوراثية الرئيسية وتصيب البشر الذين لا يملكون المناعة ضده.

3_ التأثيرات العامة لهذه الأوبئة تهدد أحيانا بشكل وهمي، كما حدث تهديد لوباء مزيف عام 1947، وتفشي إنفلونزا الخنازير 1976 والإنفلونزا الروسية عام 1977 الروسية والتي كانت كلها بسبب فيروس «أتش 1 أن» وهو الفيروس الفرعي من الذي يدور الحديث عنه حاليا.

4_ كلنا يعلم مستوى الإنذار العالي الذي سببه فيروس «أس أي آر أس» في جنوب شرق آسيا والذي جرى الحديث عنه بتسمية «انفلونزا الطيور» وكيف كانت الاستعدادات والضحايا الذين يتساقطون بالتدريج رغم الضجة الإعلامية العالية ومع ذلك بقيت مسألة انتقال الفيروس ما بين البشر غير معرفة علميا ولم يظهر عالم واثق يؤكدها أو ينفيها، أو تتلقى نظريته القبول من المجموعة العلمية العالمية.

5_ لغاية هذه اللحظة، لم تتجرأ مجموعة علمية أو مختبر متخصص وتنشر مخططا لوغاريتميا يرشد منظمة الصحة العالمية حول انتشار المرض «الجديد»، لتكتفي هذه المؤسسة المسؤولة عن صحة سكان الكوكب بالتقارير الإعلامية غير المتخصصة.

6_ أغلب الأحاديث في البداية دارت عن «فيروس مجهول»، رغم أنه– وحتى بالاستعانة بأرشيف منظمة الصحة العالمية– قد رصد في سبتمبر 2008 من قبل مختبر «سي دي سي» بعد إصابة طفلين به في مقاطعة سان دياغو، وبعد أيام قال المسؤولون في صحة كاليفورنيا، ان أيا من الطفلين لم يكن له أي اتصال بـ «الخنازير».

فيروس المكسيك

قواعد اللعبة في الإعلام تختلف إلى حد كبير عنها في العلوم أو حتى في تاريخ العلوم، لدى الصحافيين مادة عن ظهور الإصابات واندفاعها في المكسيك ولديهم رئيس جمهورية هذا البلد يعلن حالة الاستنفار بنفسه وفصول الإنذار تتعاقب بافتتاح مراكز مكافحة ومنع تفشي الفيروس ودخوله واتساع مجال نفوذه في بلدان أخرى، في وقت يؤكد فيه وزير الصحة المكسيكي خوزيه أنغيل رودوفا على «أننا نتعامل مع فيروس إنفلونزا جديد»، ويشير إلى أن ظهوره سجل في فبراير (إعلن في أبريل) بعد فحص نباتات الـ Smithfield التي تتناولها الخنازير، في وقت لم يقبضوا على خنزير واحد في المكسيك متلبس بالفيروس!
حقائق أخرى
ان حالة الوفاة الأولى التي سجلت بسبب «إنفلونزا الخنازير» كانت في 13 أبريل في المكسيك لمريضة في السكر عانت من متاعب في جهازها التنفسي. وبعدها تحدثت التقارير عن وجود 152 وفاة محتملة، غير أن منظمة الصحة العالمية استلمت تقارير 7 وفيات فقط وتم نفي الأرقام السابقة، ولم تصل للمنظمة أي عينات للمتوفين لكي يتسنى لها التحقق من أسباب الوفاة ودراسة تطور الفيروس!


تفاؤل غير مثبت
يخمن الخبراء أن انتشار انفلونزا الخنازير قد يتباطأ (لاحظوا عدم الدقة العلمية في العبارة «يخمن» و«قد» وهي مستعارة من تصريح واحد من أهم الخبراء في هذا المجال والمعروف ببحوثه في مجال انفلونزا الطيور البروفيسور غاري فرنانديز الذي استعان بمواهبه وزير الصحة المكسيكي بتعاون مع جامعة قرطبة الإسبانية). ولفرنانديز عناصره المثيرة في تحليل انتشار الفيروس، فهو يقول ان الرطوبة العالية في الصيف والزيادة في التعرض إلى الأشعة فوق البنفسجية تكوّن المجال الخصب والنموذجي لتفشي الفيروس وبما أن شهر مايو مشهور في الجفاف لاسيما في المكسيك، فيمكنه زف بشرى انحساره، لذلك قال «قد يتباطأ». ولكن إذا كان فصل الجفاف قد حل هذا الشهر في المكسيك، فماذا عن نصف الكرة الأرضية الجنوبية التي ستعاني من الرطوبة مثل نيوزيلندا، استراليا، نامبيا، جنوب أفريقيا وأغلب أميركا الجنوبية، فهل سيهاجر الفيروس إلى نصف الكرة الجنوبي؟
الترابط غير معروف
بعد فحوصات عديدة للحالات المشكوك في إصابتها بإنفلونزا الخنازير في المكسيك وكاليفورنيا وتكساس، لم يجد العلماء أي ترابط معروف مع حيوان بعينه، والمثير أن الجينات قادت العلماء إلى أن «الفيروس الجديد» احتوى على فيروسات مختلفة أربعة هي: إنفلونزا الخنزير الأميركي الشمالي، إنفلونزا الطيور الأميركية الشمالية، إنفلونزا الإنسان وأخيرا إنفلونزا الخنزير الآسيوي. وبين التحليل الجيني أن بروتين الفيروس مشابه كثيرا لإنفلونزا الإنسان، وهذا تفسير لكون الإنسان يتعرض أكثر من غيره من «المخلوقات» لأعراض المرض الحادة.
تغير طبائع الفيروس
على أي حال، يراهن علماء من جامعة هونغ كونغ على أن الفيروس الجديد قد يغير من طبائعه، لكونه «غير مستقر»، بمعنى؛ أنه قد يخلط ويبدل مادته الوراثية بالاعتماد على فعالية الفيروسات الأخرى التي تشكل منها. وبكلام اكثر دقة: أن فيروس «أتش 1 أن 1» و«أتش 5 أن 1» (الخنازير والطيور) غير مستقرين «جدا» لذلك تكون فرصة تبادل مادتهم الوراثية أعلى، رغم أن معدل الوفيات في فيروس الطيور يصل إلى 60 – 70% وهذا ما يقلق العلماء أكثر في أن الفيروس المتكون سيكون هجينا وقد يلاقي موطنا له في الصين وأندونيسيا وفيتنام ومصر وماليزيا وسنغافورة وكوريا وتايلند.

الأحد، 12 أبريل 2009

النباتات لا تتكلم لكنها غير صامتة بالنسبة للعالم والفنان


يسمح التطور في أجهزة التصوير الفوتوغرافي من السعة البصرية الإنسانية، وستتسع الرؤيا أكثر لو وضعت في أيدي العلماء، بالرغم من أن فن الفوتوغراف أثبت نفسه في مجالات عديدة أخرى غير العلم. ولم تكن نوايا ومواهب المصورين إلا عنصرا واحدا من مجموعة عناصر حسّنت الرؤية.
غير أن ثمة عوامل دعمت العمل الفني خارجة عن نطاق الرؤيا العادية تتقدمها الآلات البصرية الدقيقة والأشعة السينية والمرشحات الأخرى بما فيها الـ photochemistry. ومن يطلع على تقنيات الصور التي تتناول توثيق التجارب العلمية ونتائجها، سيجد استعارة للنظرة الساحرة لفناني التصوير من دون انتهاك لمعطيات التجارب وتقصي نتائجها، مع البقاء ضمن حدود مبتكرة ما بين العلم والفن، هذه الحدود التي تجاوزت فن التصوير في القرن العشرين بمهارة خاصة جمعت كل المدارس والأساليب، لنجد فيها الصور السريالية لروبرت رايسنبرغ وانطباعية فيجا كيلمنس وبالتالي فالصورة الفنية – العلمية خرجت بإمكانية جمالية فريدة. المؤرخ الفني جيمس الكينز يحاول إقناع الناس في الفرق ما بين الصورة العلمية وإنتاج الصورة الفنية، متعذرا في أن الأولى لا تقبل الرمزية.
ولكن ما حدود الإدهاش بين الصنفين، هل يتعذر على الصورة العلمية التي يتبناها الفيزيائيون مثلا، من التقاط صورا للطيف «أقل رمزية» لمن يلتقط صورة لطير على حافة جسر ينهار! انها جدلية لا طائل لها ولا فائدة، طالما أن صور علماء الفلك وأولئك النابهين الذين يصورون عبر المجاهر الدقيقة نتائج أبحاثهم في فيزياء الكم والجزيئات وإذا أضفنا إلى ذلك، تقدم العلوم وما أدى إلى دفع التصوير الفوتوغرافي ليتجاوز التقليدي ويمنحه «الشرارة» التي أخرجت فن الفوتوغراف من أزمته ومنحه ثقافة بصرية أعلى بتطور قوانين الضوء، وإذا كان الفن والعلم لا يؤمنان بحقيقة نهائية. فذلك أجدى للفنانين المعاصرين التوصل إلى عصرهم الذهبي الذي هيأته لهم العلوم. لقد أثارت تقنية الفوتوغراف العلماء منذ اكتشاف التصوير بفضل الهواة الممتازين الذي وعدوا بتسجيل الظواهر، وكأن العلماء على مر العصور كانوا يهتمون بالمريبة منها. ووفقا لذلك، تجري حاليا وفي معارض كثيرة في العالم، حالة المزج الفعال بين الفوتو- آرت وخدمات المجهر والمنظار والكهربائية المغناطيسية والأشعة المختلفة، وبذلك منحت العلوم روحا جديدة للصورة الفنية.
والفوتو-آرت يلتقي مع العلم في الهدف أيضا، لأن نظرة الاثنين المعقدة تتحرى زوايا الطبيعة المخفية، وكما يبغض الفن الوضوح، فان طباع العلوم تميل إلى تعدد الطرق في المحاولة. لذلك نرى العالم والمصور في المزاج ذاته حينما ينتظرون الظفر. نجدهم يخططون ويجرون حساباتهم وفي الوقت نفسه يعتمدون على الصدفة والتكرار وتصحيح الأخطاء، انهم كمن ينقش في الماء.
ان الموهوبين المبكرين الذين ظهروا مع كاميرات مطلع القرن التاسع عشر حشدوا في صورهم الفوتوغرافية الحياة كلها بتحركها وظواهرها ونيـّاتها وحيواناتها وطيورها وأسماكها وأمواجها، ندف الثلج وألق البرق، كأنهم كانوا يحركون كل شيء، لم تفلت منهم حالة واحدة وكانوا يتابعون تخمين الطبيعة حتى لو لطخوا عَدوهم السريع نحو اللقطة بالإبهار الكبير الشبيه بالتلفيق. لنطالع صور علوم الأحياء، الجو وحيوانات البحر والفطر في الغابات، الكائنات الغريبة بألوانها الحيوية، حلزونات الليف المعلقة وعرائس النهر الملتصقة بالأشجار، تناظر أثيري، مهدد ولطيف.
النباتات لا تتكلم، لكنها غير صامتة بالنسبة للعالم والفنان، سيهتم الأول بالتركيب، فيما الثاني بالعاطفة، والنتيجة واحدة في الحالتين، كلاهما يجنحان للتفكيك المثير للخصلة الأصغر للزهور القاحلة التي ذبلت قبل أوانها وما ان تنكسر «عباد الشمس» يكون العالم والفنان هناك.

الخميس، 12 فبراير 2009

إنتاج اليورانيوم واستخداماته المدنية والعسكرية


اليورانيوم معدن مشترك نسبيا توجد خاماته في الصخور الرسوبية وقشرة الأرض القارية والرمال، وفي البحار. ويستخرج باستخدام حامض السلفريك أو ترشيح كربونات الصوديوم يفصل مكوناته الأخرى وبعد تجفيفه وتصفيته تنتج «الكعكة الصفراء» التي توفر حال تجهيزها طاقة عالية جدا. ومصادر اليورانيوم في العالم زادت بنسبة 15% في السنتين الأخيرتين بسبب الاكتشاف المتزايد لهذا المعدن المثير للجدل، الذي يتطلب استخراجه معرفة عميقة في علم طبقات الأرض.
مراحل الاستكشاف
ما بين الأعوام 1985 و2005 كانت كميات اليورانيوم المستكشفة قليلة جدا، لذا فان الزيادة الهامّة في الجهد الاستكشافي تصاعدت في القرن الحالي لمضاعفة الطلب عليه لأسباب اقتصادية معروفة، ولا سيما في عامي 2005 و 2006 حيث زادت أسعار مصادر الطاقة التقليدية. فمثلا أنفقت الولايات المتحدة في عام 2006 فقط نحو 774 مليون دولار لأعمال الاستكشاف، ومع مرور الوقت زاد هذا الرقم، علما بأن خام اليورانيوم يتوافر في الولايات المتحدة وسط فلوريدا.
كيف يعمل؟
الاستخدام الواسع لليورانيوم، لكونه المصدر الرئيسي لاشتقاق البلوتونيوم من المفاعلات التقليدية عن طريق دائرة مغلقة تجهز باليورانيوم الطبيعي أو المنضب، ويمكن أن ينتج كل طن من هذا الخام طاقة أكثر بنحو 60 مرة من تلك التي تنتجها المفاعلات التقليدية.
متطلبات وقود المفاعل
مفاعلات القدرة العالية تتطلب حوالي 65,000 طن من اليورانيوم كل سنة، ويلاحظ أن الاعتماد على اليورانيوم أدى على زيادة الطاقة الكهربائية في العالم بنحو 5.5 أضعاف، ويتوقع أن ينمو الطلب لإنتاج اليورانيوم لغاية عام 2010. ويحتاج الأمر إلى إعادة الوقود المستهلك من مفاعلات الماء الخفيف التقليدية التي تستخدم حاليا بشكل أكثر كفاءة من المفاعلات القديمة. واليورانيوم يعتبر المصدر المهم للوقود النووي، والمخزون النووي لكل احتياطي الأسلحة النووية في العالم. ومنذ عام 1987 وقعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وما أعقبه من ظهور بلدان نووية سوفيتية سابقة، سلسلة معاهدات نزع السلاح لتخفيض الترسانات النووية للبلدان الموقعة بنسبة 80%. واليورانيوم القتالي سعره أعلى بنحو 25 مرة من سعر اليورانيوم المستخدم في المفاعلات النووية ذات الاستخدام السلمي، وكذلك البلوتونيوم - 239 الذي يستخدم المخفف منه لأغراض مدنية، أما إنتاج أكسيد اليورانيوم فيمثل 13%من متطلبات المفاعلات في العالم كل سنة.
تحويل اليورانيوم
والثوريوم يمكن أن يستخدم في مفاعلات النيوترون القادرة على تشغيل دورة وقود الثوريوم باستخدام مادة انشطارية مثل اليورانيوم - 235 أو البلوتيونيوم - ثم الثوريوم - 232، بعد اسر الذرات في المفاعل ليتم تحويل اليورانيوم العادي إلى مادة انشطارية، وهذا يتطلب مفاعلات متقدمة تستخدم الثوريوم على نحو واسع، لأن دورة وقوده لها مميزات جذابة بالنسبة للاستخدام التجاري، كون خامه متوفر أكثر بثلاث مرات من اليورانيوم، وفي العالم احتياطي يقدر بـ 4.5 ملايين طن قياسا باحتياطيات المصادر الإضافية الأخرى.
المصادر محدودة
عموما، مهما بلغت الحاجة إلى اليورانيوم للأغراض المتعددة السلمية منها والعسكرية، يدرك الجميع أن مصادره في الأرض «محدودة»، لذا يرهقون حساباتهم بما يسمونه «النمو السلبي» مع التركيز على مصادره المخبأة في الدول النامية. أما الزعم بنفاد مصادره، فهي السبب الرئيسي لـ «حدود النمو» في الاحتياطيات المتوافرة، مع مراقبة الزيادة في معادن أخرى: النحاس 25%، النيكل 25%، اليورانيوم والفحم تضاعفا مرتين، الغاز زاد 70% والنفط زاد 6%. ولوحظ في السنوات الأخيرة أن هناك سوء فهم في قضية وفرة الموارد المعدنية، بالزعم انها في خطر والعالم بدأ يستنفد مخزونه الاحتياطي، وروج البعض وجهة النظر حول الاكتشافات المحدودة لليورانيوم الطبيعي الذي يعتبر عقب أخيل الطاقة النووية، بينما يبشر الجميع بمساهمات أكبر لدور الطاقة النظيفة المستقبلية. وقضية تجهيز اليورانيوم تتعلق بالذي يستكشف وينتج ويبيع والسؤال: من يدير هذا الميزان؟ ومن يحدد ديناميكا التصرف بالمصادر والانضباط في اكتشاف المعدن وإنتاجه؟بالطبع مصادر الأرض في الحقيقة محدودة، لكن حدود تجهيز المصادر حتى الآن بعيدة عن البديهيات كونها قابلة للتجديد، مع ذلك ثمة إمكانية لتكرار العديد منْ المواد التي تحدد عملياً مصير الطاقة في العالم.
المعرفة الجيولوجية
كل المعادن في الأرض لا يمكن أن تعتبر مصادر صالحة للاستعمال ما لم تكن معروفة، ولكي تكون كذلك لابد من توافر المعرفة والوقت والمال والجهد للاكتشاف. وعمليات الاكتشاف لا تنحصر في كونها مجرد استطلاعات مغناطيسية جوية، لكنها سلسلة مترابطة ومعقدة تنتهي إلى التحقق الشامل من المكامن الرئيسية لاحتياطيات أي معدن. وعلى خلاف المعادن التي كانت في مقدمة مطالب العالم الصناعي على مدى قرون، بدأت الحاجة تزيد الى استخدامات اليورانيوم، وأصبح مطلبه جديا مع ظهور الأجيال النووية في البشرية وخاصة في المراحل المبكرة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية مطلع سبعينات القرن الماضي.
توافر اليورانيوم
ويتوافر اليورانيوم في العالم كما هو موضح في البيانات التاليةأستراليا: 1,243,000 طن 23%كازاخستان: 817,000 طن 15%روسيا: 546,000 طن 10%جنوب أفريقيا 435,000 8%كندا: 423,000 طن 8%الولايات المتحدة : 342,000 طن 6%البرازيل: 278,000 طن 5%ناميبيا: 275,000 طن 5%النيجر: 274,000 طن 5%أوكرانيا: 200,000 طن 4%الأردن : 112,000 طن 2%أوزبكستان: 111,000 طن 2%الهند: 73,000 طن 1%الصين: 68,000 طن 1%منغوليا: 62,000 طن 1%دول مختلفة: 210,000 طن 4%كمية اليورانيوم في كل الكوكب: 5,469,000 طن.

الآلة التي ستنقذ العالم

حكاية عالم من هذا الزمان في مكتب خالٍ من الناس تقريبا يقع في مرآب إحدى الشوارع الإنكليزية الهادئة، ثمة شيء ما طموح للغاية في دماغ الفيزيائي ميتشيل لابيرغ الكندي الفرنسي البالغ من العمر 47 عاما، هذه الأعوام التي قضاها في التعليم العالي لفيزياء الانشطار النووي وأبرقت في ذهنه فكرة البحث عن المصدر النهائي للطاقة، هذه الفكرة التي لم تنل أي تأييد أو تشجيع من أحد، حتى من أولئك الذين يعرفون طموح لابيرغ باعتبار الفكرة غير محتملة جدا. لكن تاريخ العلوم والاكتشافات لطالما انحاز لأولئك الذين حملوا الأفكار غير المحتملة "جدا"، واستطاعوا في النهاية كتابته وتدوين نجاحات كانت في زمانها موضوعات لا يمكن التقرب منها، أو حتى التفكير بإمكان إثباتها. من ينظر إلى الماكينة التي يريد بها لابيرغ إنقاذ العالم، تترك لديه انطباعاً وكأنها واحدة من آلات التعذيب المستخدمة في أقبية سجون القرون الوسطى: كرة معدنية تحيطها من كل الجوانب القضبان من المعدن نفسه مشطورة باسطوانتين طويلتين وفي الزاوية اليمنى ثمة مقياس للإشارات.
تمويل خاص
بدأ لابيرغ العمل في مختبره الصغير وهو في حقيقة الأمر مكتب ومختبر في وقت واحد، موظفا تمويلا شخصيا لم يتجاوز مليوني دولار، أهدر معظمها في بناء محطة كهرباء صغيرة للإنشطار النووي. بدت فكرته معتوهة للكثيرين، فالانشطار النووي عملية معقدة جدا بالنسبة الى دول كبرى حاولت جاهدة الحصول عليه وكذلك إلى جامعات ضخمة. وقد تبدو الصور المعروضة غير حقيقية لكندي يعمل في مرآب ليفتتح أهم الاكتشافات في الفيزياء الحديثة.
في التكنيك
استخدم لابيرغ الطريقة المعروفة لانشطار هدف ممغنط باستخدام تكنيك البلازما، وذلك بحصر الغاز في حقل مغناطيسي يضغط بقوة لتوليد الانشطار. هذه الطريقة تكلف الدول الكبرى على الأقل مائة مليون دولار، وعمل عشر سنوات للحصول على محطة توليد الكهرباء بالانشطار النووي. لغاية الآن قد ينجح لابيرغ وفريقه في توليد طاقة رخيصة، وبلا حدود تقريبا ومن دون نتائج كيميائية عرضية خطيرة، فالنفايات المشعة قصيرة الأجل وسرعان ما ينتهي مفعولها.
عمل مدهش
يصف هذا العمل مايك براون رئيس شركة فيوشن للطاقة التي ساهمت في تمويل المشروع اخيرا بأنه: “لو عملت ماكينة لابيرغ كما خطط لها، فاعتبروا أن جائزة نوبل ستهرع إليه”. ولكن في فترة ما، صرف لابيرغ وقته باهتمامات مزعجة مثل تجهيز المكتب وتأمين فندق للسكن، وإعداد الفريق المساعد وكان للرأسمال المحدود تأثيره على الأحلام الكبيرة للفيزيائي.
هذا الصبر اللافت
نذكر أن ميتشيل لابيرغ بدأ مشروعه منذ 20 سنة، أي حال حصوله على إجازة في علوم الفيزياء ( الدكتوراه التي حصل عليها كانت في مجال الانشطار النووي)، وبقيت أحلامه مستيقظة، على الرغم من “متاعب منتصف العمر”، وأهدر 11 سنة في تصنيع الأدوات الميكانيكية الدقيقة جدا، وفي النهاية أنتج ماكينة بسرعة موفقة ومبتكرة ولم يسبقه أحد لمثيلها. أجرى كل تجاربه في الغابات النائية لكولومبيا حيث عثر على جزيرة غير مأهولة عاش فيها أربع سنوات متواصلة، وصرف فيها 800 ألف دولار من أمواله الشخصية ليحصل على الفشل الكامل في إنتاج الانشطار النووي، الذي اعتقد الكثيرون أن “الانشطار كان في دماغه فحسب”. منعت الحكومات بحثه، وفقد أصدقاءه وأهله وعائلته، ولكنه بعد كل فشل يظهرعلى السطح داعماً بالبرهان تلو الآخر فكرته التي اعتبرها أشد المتعاطفين معه كواحدة من أفكار الخيال العلمي، على الرغم من أن التقنية التي استخدمها بسيطة لأي فيزيائي درس عمليات الانشطار.
البحث يتقدم وينتصر!
عام 2006 حقق النجاح اللافت الأول بإثباته أن النبض الهائل من الكهرباء يمكن الحصول عليه من الموجات المهتزة الناتجة عن ضغط البلازما بسرعة وقوة كافيتين لتوليد ردة الفعل للانشطار (مهما كان صغيرا). وهنا ظفرت فكرته بالقبول العلمي في أنّه بالإمكان الحصول على طاقة كهربائية صغيرة جدا بدلا من الكهربائية العالية الغالية جدا، وأن فكرة تحطيم البلازما هي الأكثر مثالية في تحقيق ذلك.لم يكن تقنية عالية جدا تنظيم الاصطدام الهوائي (ولو بالمصادفة) بحاوية البلازما الخارجية للحصول على موجات الاهتزاز. ويشدد لابيرغ على أن فكرته مختلفة تماما عما يحصل في مجال توليد الكهرباء في العالم، ويضيف: “سأتخلص من 100 كيلوجول من الطاقة وبواسطة نانوجول واحد سأسحق البلازما للحصول على الكثافة العالية لأخرج بضعة نيوترونات كافية لإحداث الانشطار وسأطلق عليه: نيوتروني التسويقي للمصلحة العامة”.
اعتراف العلماء
كم من الطاقة استطاع لابيرغ التقشف لإنجاز “الربح الصافي” لنيوترونه الذي كما لو كان يعمل “خارج الطاقة”! علق على إنجازه ريتشارد سيمون أستاذ الفيزياء في جامعة نيفادا والمدير السابق لمختبر الانشطار الوطني في لوس آلموس: “لكي نحصل على الانشطار نستخدم نظائر الهيدروجين المشعة كوقود وينبغي أن تحمـّل بظرف 270 مليون درجة ف ، أما البلازما المضغوطة كطريقة بديلة تجعلنا نتخيل ما الكمية الهائلة من الكهرباء التي سنحصل عليها”.
طاقة البحر الهائلة
بينما يعتقد لابيرغ أن “طاقته” أفضل في المنافسة لأن قوة الانشطار الفعالة التي حصل عليها تتطلب قدرة كهربائية أقل بكثير من الطرق التقليدية، كما أن وقود الانشطار (المكون من التريتيوم والديتيريوم) وفير ورخيص، فنظائر الديتريوم المشعة موجودة في ماء البحر. ويمنح فكرة مدهشة أخرى بقوله أن غالوناً واحداً من ماء البحر له طاقة تعادل 30 غالوناً من الغازولين. أما التريتيوم فهو مشع بشكل معتدل ويملك 12 سنة كمتوسط عمر، وهو أصلب في حالة اشتقاقه من الليثيوم، مشيرا إلى أن الاحتياطي الأكبر للتريتيوم موجود في كندا.
في الميكانيك
الأنبوب المعدني في الماكينة يتمدد نحو المكبس الأول ليتم تسكين المفاعل بمشغل بخار العامل، بشكل آلي كل ثانية لخلق موجة الاهتزاز التي تسبب ردة فعل الانشطار كما يفعل محرك الديزل الحراري النووي من دون تأثير مغناطيسي أو superconducting.
نظريات الانشطار
الانشطار في النظريات التقليدية يحصل باصطدام آيونين يندمجان في ذرة اثقل ليبعثا طاقة حرارية ترتبط بتوربين يخلق البخار الذي ينتج طاقة. هذه الأفكار كانت بفضل نشاطات مختبرات جامعة كامبردج في الثلاثينات ولم ينتبه إليها الكثيرون وقتذاك الى غاية الخمسينات، حيث اكتسبت زخما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ولاسيما بعد أن أثبت الانفجار النووي الأميركي في هيروشيما وناكازاكي أن بالإمكان استغلال الانشطار، بتصنيع سلاح مدمر غير تقليدي، وحينما أزال اختبار للقنبلة الهيدروجينية جزيرة كاملة من الوجود كانت تقع في المحيط الهادئ.
السمعة السيئة للانشطار النووي
هذه الأحداث المروعة وتأثير الصحافة ونشطاء السلام أثرت على سمعة نظريات الانشطار النووي، لأنها ظهرت باستخداماتها المدمرة، ولم يلتفت منتقدوها الى فوائدها في المجال السلمي، وسببت إحباطا كبيرا للكثير من الفيزيائيين ومنهم لابيرغ الذي عانت فكرته وفشله المتكرر من التاريخ السيئ للانشطار النووي.ولا يمكن أن يغفل التاريخ بحوث العالمين ستانلي ومارتن فليشمان بانشطار الفقاعات النووية وتجارب روسي تاليوراكان في جامعة بوردو عام 1986 حينما حققوا الانشطار في درجة حرارة الغرفة، غير أن أجهزتهم التي حملت بعض العيوب لم تظهر النتائج بالدقة الكافية، ومع ذلك دعتهم وزارة الطاقة الأميركية لكي يواصلوا نشاطاتهم في مختبراتها وعملوا بالفعل في مجال الاهتزازات فوق الصوتية لدفع الفقاعات النووية للانشطار.
المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي
هذه الايام هناك نشاط كبير يحدث حول العالم في مجال التجارب الخاصة بالانشطار النووي. ويبدو أن كل المجموعات العلمية والمختبرات الرصينة تهتم بـ “الطرق البديلة” والخارجة من النماذج التي كانت سائدة. وربما سيظهر نتاج عملهم في مشروع المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي الذي تساهم فيه أغلب الدول النووية الرئيسية في العالم ( الائتلاف شكلته 7 حكومات هي الولايات المتّحدة، روسيا، اليابان، الصين، الهند، كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي) بمبادرة من وكالة الطاقة الذرية الدولية. وتم القرار أخيراً ببنائه في جنوب فرنسا عام 2009.
جاليات البلازما
عودة إلى لابيرغ ومشروعه الطموح، فهو أحد جاليات البلازما وأنصارها في عملية خلق الانشطار النووي، لكنه ينظر بسخرية إلى المشروع الدولي الذي يعتبره نتاج أفكار العلماء الفيزيائيين قبل 40 سنة، ويصفه بالمشروع القبيح الذي سيجهز الوقود من الفجوات، بينما يفترض الحصول على مصادر الطاقة من هذه الفجوات، كما يعتقد أن ما يقوله هو الاختراق الجدي في إنتاج الطاقة. التحدي التقني يكمن في عدم الاستقرار بين البلازما، ومبطن الليثيوم الرئيسي الذي يمكنه أن يبرد البلازما ويمنعها من الوصول إلى درجة حرارة كافية لإحداث الانشطار. وبحسب لابيرغ يمكن إنتاج 500 مليون واط من انشطار يستغرق 300 – 500 ثانية وهو أكثر بعشر مرات من فكرة وضع الحصول على الطاقة كردة فعل للانشطار. ويعتبر أن المشروع الدولي لن يكون أكثر من محطة لتوليد الكهرباء تعمل لعشرين سنة قبل تحولها إلى تذكار.
أكثر الأفكار تعقيدا
الأفكار الصحيحة ليست دائما جيدة، فالحقول المغناطيسية حسب نظرية الـ superconductive غالية جدا ولها عيوب نظرية تشبه الذي يعلمك الطيران بطرق المشي. وبالمناسبة أن اعتراض لابيرغ على المشروع الدولي يختصر أكثر المشاكل المعقدة في الفيزياء. فالموهبة الاستثنائية التي يملكها التي جمعت ما بين الميكانيكا والفيزياء، غير عادية وطوال تاريخ الفيزياء لم تظهر النظريات العظمى بتجميع ائتلاف من علماء عدة دول، بل كانت ظفر النابهين الفرديين وصبرهم المُحال.
زعيم الانشطار النووي
منذ عام 1982، وبعد خطة الكونغرس في دعم البرامج النووية، تحولت الولايات المتحدة، لا سيما مختبر لوس آلموس إلى زعيم العالم في بحوث الانشطار النووي، وعمل لديها واحد من ثلاثة من علماء أوروبا وواحد من اثنين من علماء اليابان.
كيف سيعمل؟
على الأرجح سيستخدمون غرفة البلازما المصممة بطريقة الـ Tokamak، وهو مختصر صوتي للعبارة الروسية “غرفة الحلزونات المغناطيسية” التي تبدو مثل الكعكة العملاقة التي تنتج حقولا مغناطيسية ضخمة تؤثر على البلازما بعيدا عن جدران الغرفة، ثم يسلطون على البلازما موجات راديو وأشعة النيوترون ليسببوا الانشطار النووي.

آخر الاكتشافات العلمية

اكتشاف سر البروتين وفيروسه المسؤول عن انكماش العضلات أو بروزها

الباحثون في جامعة Purdue والجامعة الكاثوليكية في الولايات المتحدة اقترحوا في بحث علمي جديد قاده أستاذ علم الفيروسات مايكل روسمان وهانلي راو أستاذ العلوم الحيوية التركيب الخاص للمادة الوراثية للبروتين المتخصص في بروز أو انكماش العضلات، في الوقت نفسه درسوا الفيروسات الناتجة عن العمليتين. هذا البحث يسمح لنا بفحص الطريقة التي يعمل فيها الفيروس على المستوى الذري.وذكر الباحثون أن الذي اكتشفوه يعتبر حتى الآن أقوى الفيروسات، وشبهوه بالمولد الذي يعادل 20 مرة ما ينتجه بروتين myosin المسؤول عن انكماش أو قوة العضلات.
التكنولوجيا المستخدمة في البحث اعتمدت على علم بلوريات الأشعة السينية وتقنية أخرى دعتهم لاستخدام مجهر الكتروني مكنهم من رؤية أبعاد مولد الفيروسات. يقول روسمان إن نتائجهم أثبتت العلاقة بين ما يحصل من تفاعل والدي أن أي وذلك بدمج البيانات الكيميائية والحيوية. وعن فائدة البحث صرح بأن نتائجهم ستتيح المجال لاحتواء نشاطات الفيروسات أو تسكينها، وتقليل الضرر جراء الاصابات الفيروسية، وذلك بتطوير بدائل المضادات الحيوية المستخدمة حاليا بعد معرفة المواد الوراثية للمرضى وعلاجهم بشكل يتناسب مع جينات كل منهم.روسمان اعتبر ان بحثهم «أساسي جدا» و«قريب أكثر للتطبيق العملي عن الكلام بالمعرفة». شارك في كتابة ورقة البحث بوني تانفيس ودي بومان وأندي فوكين وهم باحثون مساعدون. وقامت المؤسسة القومية للعلوم والبرنامج الانساني علوم بلا حدود بتمويل مشروع البحث.


«ناسا» تربط هياج العواصف عام 2008 بارتفاع درجة حرارة الأرض

لخص عالم الجيوفيزياء هارتموت آيمان نتائج بحث استمر خمس سنوات في ورقة قدمها لمؤتمر اتحاد الجيوفيزيائيين الاميركيين في سان فرانسيسكو ومولته وكالة الفضاء الاميركية وساعدته في استغلال مختبرها الطائر والموجه من كاليفورنيا، بأن زيادة العواصف التي اجتاحت العالم عام 2008 بالارتفاع العام لدرجة حرارة الكوكب. بيانات فريق آيمان مسحت بدراستها الغيوم الاستوائية وارتباطها بالعواصف الحادة والمطر، واكتشفت مركبة ناسا الفضائية ارتباطا قويا بين تردد هذه الغيوم والتغيرات الموسمية في درجات الحرارة عند المحيطات الاستوائية. ولاحظ الفريق أن هناك زيادة مقدارها 45% في تردد الغيوم العالية جدا. وقاسوا النسبة في ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 0،13 درجة مئوية الأمر الذي زاد من تردد العواصف بنحو 6% لكل عقدة. وقال آيمان إن الغيوم والمطر كانا الوصلة الأضعف في التنبؤ المناخي، وكان التفاعل بين دفء مياه البحر بشرط زيادة صفاء السماء أساساً في تشكيل الغيوم المنخفضة. البحث قاس الزيادة في نسبة الأمطار التي اجتاحت تلك المناطق بنحو 1،5% وهي الأعلى في غضون 18 سنة.

اكتشاف تسرب مغناطيسي «غامض» نحو الأرض

للأرض غلاف مغناطيسي معروف بالفحوص المستمرة عليه من قبل العلماء، والمجالات المغناطيسية ما بين الأرض والشمس تحدد، وفي الوقت نفسه، تسمح للبلازما الحرة بالدخول في الغلاف الجوي للأرض وبشكل مفاجئ مكونة طبقة عالية من الجسيمات المشحونة في المجال المغناطيسي لكوكبنا. هذا ملخص لأهم اكتشاف قام به علماء الفيزياء الفلكية في مركز غودارد الفضائي، وأهميته تكمن في أن حماية كوكبنا من الاشعاعات الكونية الضارة ضعفت بشكل كبير ولا تزال تتضاءل.
الرياح الشمسية
يجدر التذكير بأن الرياح الشمسية تتدفق بجزيئاتها المتأنية على الأرض بسرعة نصف مليون كيلومتر في الساعة، وغالبا ما ينظر اليها من على الأرض كمنظر جميل وخلاب ورومانسي، خصوصا لحظات الشفق، من دون أن يعلم معظم المتأملين في المنظر الساحر، أن درعا مغناطيسيا يحمي الأرض من الرياح الشمسية ذات السرعة الفائقة والتأثير المدمر. هو الدرع المغناطيسي للأرض الذي يغطي الكوكب من جميع الجهات، ولكن تبين حسب اكتشاف المجموعة العلمية أعلاه، أن الدرع قابل للتسرب وأن حجم الفتحات فيه (حوالي سبعة) قابلة للزيادة والتوسع.
مؤثرات وأعراض
نضرب أمثلة يشعر فيها المتابع غير المتخصص عن المشكلة التي نتحدث عنها: ان الرياح الشمسية وعواصفها تعتبر السبب الرئيسي لتعطل منظومات الأقمار الصناعية وعجز شبكة الكهرباء في العالم واعاقة عمل رواد الفضاء الذين يؤدون مهام السباحة الحرة في الفضاء المفتوح.
اضطراب الأرض
حسب علماء فيزياء الفلك في مركز غودارد التوسع التدريجي لطبقة الجسيمات المشحونة بعرض يقارب 6.5 الاف كيلومتر. واذا استمر الوضع في السنوات 2011-2012 (ذروة الدورة الشمسية)، سيشهد الكوكب أقوى العواصف المغناطيسية، وستسجل أشد حالات الاضطراب في الأرض بسبب حزم الاشعاع كما يقول ديفيد سايبيك خبير الطقس في «ناسا» والمشرف على نشاط خمسة أقمار صناعية خاصة بمراقبة الطقس وتأثيراته على سكان الكوكب. وستطرح هذه المسألة في افتتاح مؤتمر الجيوفيزيائيين الأميركيين في سان فرانسيسكو قريبا.
من يحمي البشر؟
واذا كان طوال ملايين السنين يحمي الأرض درعها المغناطيسي، فمن سيحمي سكانها لو حدث تسرب فيه؟هناك بعض المعطيات المتفق عليها علميا لابد من ذكرها، فمثلا ان الرياح الشمسية تضغط على الغلاف المغناطيسي بخط نحو الشمال وتتغير باستمرار خلال 11 عاما من دورة النشاط الشمسي. ونتيجة لاجراء البحوث وكشف حسابات المواءمة يمكن للغلاف المغناطيسي حماية الأرض أكثر بعشرين مرة من الجسيمات المشحونة. ولمعرفة الآلية العملية لذلك أوجدوا بعض برامج كمبيوترية للفيزياء الفلكية التي لاحظت هذه النسبة. فالجسيمات العالية الطاقة تتدفق في مساحة واسعة من المجال المغناطيسي وتعود الى الأرض لتتجلى بصورة الشفق. كما أوضح عالم الفيزياء جيمي رادير من جامعة نيو هامشير الذي شارك في وضع برامج الكمبيوتر المذكورة، واصفا تأثير الجسيمات المشحونة كالأخطبوط تغطي الأرض بأذرعها.
إعادة المغناطيسية
أطلقوا على هذه الظاهرة اسم perezamykanie أو «اعادة المغناطيسية» المفرطة في الأرض بسبب الفجوات الضخمة، الأمر الذي أتاح لتسرب البلازما في خطوط العرض العليا لكل من نصفي الكرة المضاءة الجانب في العالم. وان كانت الظاهرة تحدث على نطاق واسع – والحديث لرادير – فان طبقة الجسيمات المشحونة لا تزال غير كافية لأن تخلق عواصف جيومغناطيسية كبيرة حتى الآن، لذلك يمكن لسكان الأرض التمتع بفترة من الهدوء النسبي وان كان لا يزال الغلاف المغناطيسي يخزن الجزيئات العالية الطاقة.
الزمن الصعب للأرض
ان أصعب فترة تمر فيها الأرض هي عندما يبدأ النشاط الشمسي بالازدياد متوجها نحو الجنوب، حيث تهتم بذلك البلازما المخزنة، ليحصل ما يشبه انفجار الغاز، الذي لا نريد الخوض فيه لكون الوقت غير مناسب لارعاب الناس أكثر.
الهيليوم صلب وسائل في الوقت نفسه!

في درجات الحرارة المنخفضة جدا سيكون الهيليوم صلبا وسائلا في الوقت نفسه، وتفسير ذلك بمحاكاة ومساعدة الحاسوب، حيث تبين أن السبب في هذه الظاهرة الغريبة يمكن أن يعزى إلى الشوائب التي تجعل هذا التأثير محتملا. هذا ملخص اكتشاف ماثياس تروير أستاذ الفيزياء الحسابية في معهد زيورخ للفيزياء النظرية مستخدما البناء النظري للظاهرة الكمية لتراكيب الـ Supersolidity التي تصف المرحلة الطبيعية الممكن حدوثها في درجات الحرارة المنخفضة جدا، حيث تبدو المادة صلبة و superfluid في نفس الوقت.تجدر الإشارة إلى أن القوة البحرية الأميركية اعتمدت كثيرا على ظاهرة الـ superfluid ، وناقش خبراء منها (البحرية الأميركية) الفيزيائي النظري ماثياس تروير، فيما إذا كان من المتاح استخدام رذاذ الهيليوم لقتل شخص ما، لكنه نفى إمكان حدوث ذلك.
عالم شاب
ومن المثير ذكر الاهتمام الكبير الذي أولته مختبرات البحرية الأمريكية العلمية بماثياس تروير وبحوثه في supersolidity، فمنذ نشره هذا البحث انتقل من زيورخ إلى جامعات ماساشوستس وجامعة هارفارد في الولايات المتحدة ويناقش بحوثه الجديدة للحصول على الأستاذية وهو في الثلاثين من عمره فقط.
ظاهرة وليست نظرية
ولا يمكن اعتبار أعمال تروير رائدة في مجال ظاهرة supersolidity، فقد توقعها علماء من روسيا وإسبانيا واليابان منذ عام 1969 لكن ملاحظاتهم لم تنسق بشكل يمكن أن يتحول إلى نظرية، والتجربة الأولى التي دلت على وجود هذه الظاهرة كانت في عام 2004، حينما وجد الباحثون بللورة الهيليوم تدور ذهابا وإيابا في الترتيب الذي يعتمد على تردد اهتزاز الكتلة الدائرة ويصبح التردد أعلى في حالة تخفيض درجة الحرارة تحت 0.2 كيلفن وتقريبا أسفل الصفر المطلق من دون مشاركة جزء الكتلة في الدوران، لكي يتصرف كسائل خال من الاحتكاك وبكلمة أخرى أصبح supersolid.حتى هذه النقطة نرى أن النتائج تتوافق مع النظرية، لكن التجارب الأخرى بينت أن نسبة البللور التي أصبحت supersolid زادت بعدد العيوب في البلور. ويبقى السؤال مطروحا للبحوث القادمة حول البللورات المثالية الخالية من العيوب، وكيف ستكون فيها هذه الظاهرة.
لا تأثير بالبللورات المثالية
في هذه النقطة، أصبحت المشكلة مثيرة لمجموعة الفيزيائيين المعتمدين على مساعدة الحاسوب بقيادة ماثياس تروير في زيورخ وزملائهم في الولايات المتحدة وكندا. وبالرغم من أن الفيزيائيين ينفذون التجارب أيضا، فإنهم يعملون ذلك على نماذج الحاسوب بدلا من المادة نفسها. وهذا يسمح لهم بمراقبة البللورات مباشرة أكثر. على سبيل المثال، جربوا كيفية تخلص البللورات من شوائبها، وبمعنى آخر: كيفية الحصول على بللورات مثالية لتلك المواد التي لا يمكن أن تصنـّع في المختبر. في هذا المفترق لم يعثروا على ظاهرة supersolidity.
التجربة المثيرة للجدل
على أي حال، صنـّع العلماء بللورات افتراضية أيضا فيها عيوب، بتوجيه تركيب نصف من البللور في اتجاه مختلف إلى النصف الآخر. ونفذوا هذه التجربة باستخدام حوالي مائة اختلاف في درجات الحرارة والتوجيهات المختلفة للعناصر الأخرى. فماذا كانت النتيجة؟ المثير أن supersolidity حدثت حيث طبقات الذرات بالتوجيهات المختلفة كانت سوية، ولكن الطبقات لم تتطابق خصوصا أن كل شيء اعتمد على عيوب مصنعة كيف إذن نعتمد على العيوب في البللورات للحصول على هذه الظاهرة وهل أن كل شيء يجرب في المختبر ممكن الاستفادة منه في التطبيقات العملية والصناعية؟
في الطريق إلى النظرية
مبدئيا، هذه النتائج رفضها بضعة علماء، فالظاهرة محتملة في حالة توفر الشوائب والنظرية لا تستقيم إلا في كونها وجهة نظر ولا تحتمل أن تصبحtheoreticians، وهذا لا يعني أن تفسير مجموعة زيورخ لم يكسب القبول الواسع، والشهرة التي وضعت ماثياس تروير وهو في الثلاثين في مصاف العلماء المرموقين في العالم، بل ووصلت شهرة هذا الرجل الذي اكتشف المادة الصلبة والسائلة في الوقت نفسه، إلى أن يسأله موظف للجمارك لم يتلق تعليما متخصصا في الفيزياء ــ حينما وصل إلى الولايات المتحدة ــ حول حيثيات هذه المادة واكتشافه العجيب.

الخميس، 22 يناير 2009

الطاقة المظلمة

تنشغل العديد من المجموعات العلمية في جامعات عريقة وتستمر المجلات المتخصصة في نشر هواجسها التي انتقلت إلى علماء الفلك منذ اوقات عالم الفلك كوبرنيكوس الذي أعلن عام 1543 أن الأرض لم تكن يوما مركزا للكون، مسقطا الفكرة القديمة بعد إثباته لقانونه العلمي.وبالرغم من أن قانون كوبرنيكوس كان أحد لبنات علم الكون الحديث، فان العلماء المعاصرين يريدين اثبات «الحصة الاستثنائية» للأرض بالنسبة للمجرة ولاسيما موقع كوكبنا. ولسوء الحظ، فان كل الطرق للمتخصصين في علم الكون شبه مسدودة ، لأنه لم يظهر أن أحدا منهم استند إلى نظرية أو إثبات قاطع يربك اعتقادات كوبرنيكوس. وفي أواخر التسعينات اقترحت بعض الدراسات وضع الأرض بالقرب من مركز ما اسموها «الفقاعة» التي عادة ما تكون فارغة، مشبهين الكون بهذا التشبيه الممتع القريب من خلق الوهم.
النظرية الباطلة
ويحاول اليوم فريق من الفلكيين تقديم ما أطلقوا عليها «النظرية الباطلة» مختبرين بيانات حديثة للموجات الدقيقة الخلفية للإشعاع الكوني، راسمين تموجات واسعة النطاق لتقديم نماذج لشرح الحالة الراهنة للكون.هذه النماذج يحاولون من خلالها تفسير «الطاقة المظلمة» (أول من أطلق عليها هذه التسمية مايكل ترنر في 1998) التي طالما كانت لغزا محيرا لعلماء كل العصور، بينما اعتبرها الفريق الحالي المسؤولة عن التسارع الآخذ بالازدياد لتمدد الكون. أين نقف كسكان للأرض بناء على «نظرية الفراغ»؟ وهل تنتصر «الطاقة المظلمة» في نهاية الأمر؟! الامر كله يسير حسب الترتيب الغامض حتى في كل ما يشع حولنا، ولعل المريخيين يحدقون بنا مباشرة وينتابهم التفكير نفسه عنا وعن أنفسهم. وإذا كنا مصرين على امتلاك الأرجحية في التفكير على باقي مخلوقات الكون، فالحقيقة لابد وأن تأتي من الظلام أو الفراغ.
الطاقة المظلمة
في عددها المؤرخ في 28 ديسمبر 2008 تؤكد المجلة العلمية المرموقة Science Daily ما توصل إليه العلماء قبل 10 سنوات في أن الكون يتمدد فعلا وتعجيله يتزايد، وأن القوة التي تدفع الكون إلى التمدد لا تزال لغزا ولأنها كذلك أعطوها تسمية: «الطاقة المظلمة». هذه الطاقة تعرفها الموسوعات كأحد الأشكال الافتراضية للطاقة الموجودة في الفضاء، إلا أن ضغطها سالبا، الأمر الذي يجعله العادل لقوة معاكسة للجاذبية في المقاييس الكبيرة. والضغط السلبي اقترحه ألن غوث في السبعينات كمفهوم مماثل للطاقة المظلمة وكتب عن الكون المتضخم. ويفترض لو كان ثمة تضخم في الكون، فهناك قوة دافعة (بشكل نوعي مشابهة للطاقة المظلمة) تؤدي إلى التوسع الهائل في الكون. ولعله أسهل تفسير ظهر حتى الآن لتمدد الكون، طالما أنه يشرح ماهية الكتلة الضائعة في الفضاء. لكن هل «الطاقة المظلمة» حقيقية؟ وهل كوننا يتمدد حقا؟ هذه الأسئلة وما حولها تتسارع أيضا في العديد من الفرق العلمية حاليا ولا تخلو مجلة علمية متخصصة من التطرق إليها أو نشر ورقة بحثية في هذا المجال، وواحدة من ميزات هذه الأبحاث أنها عبارة عن تواصل منطقي لمسألة تخص أيا منا. فلو أهملنا «الطاقة المظلمة»، فلابد من العثور على تفسير يوضح سببية التسارع في تمدد الكون، ولماذا يفكر العلماء على أن كوننا يتمدد وسيطرت هذه الفكرة على عقولهم في العقد الأخير؟

كشافات النتائج
لدينا آلات للتصوير الفلكي الدقيق تلتقط الانفجارات اللامعة الهائلة البعيدة جدا عن الأرض (ساهم تلسكوب هابل التابع لـ «ناسا» بقدر كبير من هذه الصور)، أما الفلكيون فمصرون على أن الكون منذ ظهوره الأول قبل 13،7 مليار سنة وهو آخذ بالتوسع. ولم يؤكدوا فيما إذا كان هذا التوسع يسير بوتيرة ثابتة أم أنه يتباطأ أحيانا. لكن بفحص المليارات البعيدة للكواكب على مدى السنوات الضوئية البعيدة، بإمكانهم حساب تصرفات الكون وقابليته على التوسع.هذا الفحص أعطى نتائج زادت من الحيرة والبحوث الرائدة التي لم تهتم للمعتقدات السابقة أشارت إلى أن الكون في حالة التعجيل وقد يكون أسرع وأكبر مما هو متوقع.
أرقى الجامعات مهتمة
فلكيون من جامعة مينيسوتا أبلغوا عن عثورهم على «فراغات» تمتد عبر مليار سنة ضوئية، بمعنى أدق، كالضوء الذي اتفق على أنه أسرع مادة في الكون. الباحثون في مركز «فيرمي» الفضائي – الفلكي قالوا ان هذه الفراغات قد تقع بيننا ولكي نشاهدها ينبغي ابتكار عدسات خاصة. وإذا كان الأمر كذلك، فان النجوم التي تنفجر بعيدا عنا، قد تتمدد قريبا منا ولعلها التي تمنح الطريق إلى «الطاقة المظلمة». علماء جامعات: كورنيل، إيثيكا ونيويورك ينظرون مباشرة إلى جوهر النظرية وادعوا عثورهم على «فتحات»، ليس بعيدا عن افتراض مجموعة "فيرمي" التي اعتبرتها «باقة فراغات» موزعة بطريقة عشوائية كمنظر الجبن السويسري الذي تتخلل كتلته الفراغات، غير أن هذه الفراغات – للأسف - غير كافية لتوضيح مبدأ «الطاقة المظلمة».

الكون الخادع
المحترفون في طرح الألغاز العلمية، مدركون جدا أن للكون فرصا كافية لأن يخدع الإنسان وتفكيره، أما الإنسان، فبطبيعته؛ يزاول ترتيب أفضل النماذج لتفكيره. أما تلك الأفكار الفظيعة التصديق والتي يطلقون عليها الأوهام، فدائما تجد من يبعدها عن المبالغات في التفكير. واحدة من الأفكار الفظيعة، هي أن الفراغ يخلق كما تخلق المادة والفراغ هو الكفيل بتسارع تمدد الكون (المادة)، وحدث أن نظامنا الشمسي وجد نفسه في منتصف هذا الفراغ. وفي الكوسمولوجيا ثمة أشكال افتراضية عديدة للطاقة وفي النموذج القياسي فان ثمة من قاس «الطاقة المظلمة» معتبرا إياها تمثل 74% من الطاقة الكلية للكون. والشكلان المقترحان للطاقة المظلمة هما: كثافة ثابتة تسد فراغا بتجانس وكثافة يتفاوت مقدارها بمرور الوقت، الأولى تشكل الكوسمولوجيا الثابتة والثانية المكافئ المادي لطاقة الفراغ.
المعايير العالية
ولغرض فهم توسع الكون، يتطلب وجود معايير عالية الدقة وفهما للمعادلة الكوسمولوجية للحالة وما يجري حاليا من بحوث لا تتعدى الملاحظات التي أفضل ما تملكه التريث وليس الإثبات. ففي مختبر لورنس بيريكلي درسوا كثيرا انفجار النجوم والكويكبات واستندت مقاييسهم إلى الخلفية المايكروفية للكون وهي قيمة مطلقة أيضا، فقد كانوا يقيسون المسافة لأي جسم في الكون بناء على نسبة سطوعه أو مقدار ما يظهر منه وهو تخمين بحاجة إلى مصالحة مع هندسة الفضاء. وبما أنهم اكتشفوا أو قاسوا الطاقة في الكون على أنها تعادل 30% من الكثافة الحرجة، تركوا الـ 70% المتبقية إلى «الطاقة المظلمة» التي هي في حقيقة الأمر: مسألة مظلمة حتى الآن.وهكذا، فإن طبيعة «الطاقة المظلمة» مخمنة ، ومن الصعب تخيل قياسها في المختبرات كما يجري الحال مع الجاذبية وطاقة الإجهاد، فالحديث يجري عن «ضغط سلبي» مسؤول عن توسع الكون. والذين افترضوا أن هذا الضغط السلبي يمدد الكون، فأي ضغط يجعله ينكمش أو يتقلص بفعل «نفور الجاذبية» بناء على النسبية العامة لآينشتاين؟

أسئلة المصير
ان تاريخ الفيزياء طالما حمل الأسئلة المحيرة، لكن الأكثر حيرة منها على الإطلاق كانت الافتراضية منها، وإذا كانت أكثر نظريات الفيزياء الجزيئية تقلبا تشير إلى أن الفراغ يعطي هذا النوع من الطاقة اعتمادا على أن الجزيئات الافتراضية تمنع التشكيل الهندسي لكون ثابت، فإن لهذا الكون «الثابت» نظيرا له ضغط سلبي يمكن معالجته بالديناميكا الحرارية الكلاسيكية، التي تقول ان الطاقة تفقد من هنا لتعمل هناك. ولأن الطاقة في صندوق على سبيل المثال «الكون» تزيد، فلابد من حجم الصندوق أن يزيد أيضا. وهنا يمكن إدراك دور طاقة الفراغ سواء كانت ثابتة أم سلبية لأن ذلك يعتمد على الفضاء والزمن.
صدف الكون
ويطرح السؤال الخاص بالصدف الكونية: متى بدأ الكون يتمدد؟ وهل أن هذا التركيب بدأ مع تشكل المجرات والحياة التي نعرف جزءا بسيطا منها؟ مقترحو مبدأ الانتروبيا anthropic ينظرون إلى هذه الأسئلة كداعم لحججهم. لكنه ليس بذلك الأسلوب الذي تقتفى بواسطته النتائج العلمية، فقياس كثافة الإشعاعات لا يعني بالضرورة التوصل إلى مقدار "الطاقة المظلمة" وماذا لو عولنا على الفرق العلمية التي تسميها «الطاقة الشبحية» التي تزداد مع الزمن (أنصار الطاقة الحركية) التي لا تملك شكلا قياسيا، فإن التمزق سيكون كبيرا بين فيزيائيي الأرض الواحدة.

أفكار بديلة
بعض العلماء النظريين يعتقدون أن «الطاقة المظلمة» و«التعجيل الكوني» دليلان على «الفشل الكبير» لنظرية النسبية العامة لآينشتاين، لأن قانون الجاذبية الذي يعمل جيدا في النظام الشمسي يجب أن يعمل أيضا في باقي مجرات الكون. وهكذا طرح عدد من المختصين في الفيزياء الجزيئية مثل ليونارد سيسكند وبول ستينهارت من جامعة ستانفورد أفكارا بديلة فيما أطلقوا عليها «نظرية الخيط» ومبدأ التصوير المجسم ونشروها في مجلة «الطبيعة»، وملخصها أن لطاقة الفراغ قيما مختلفة منتقدين نظرية الطاقة المظلمة وإهمالها للتأثيرات الجانبية لكثافة الفراغ. وبعد بضعة أعداد قدم الفيزيائي بول غوف في المجلة نفسها، انتقاداته لهذه النظرية، مشددا على أن معرفة «الطاقة المظلمة» توضح الحالة في الكون وتمنح المزيد من المعلومات التي تفك أسراره.
التوسع قديم
تخمينات الكوسمولوجيون تنحصر في أن تعجيل تمدد الكون، بدأ قبل 5 مليارات سنة وعلى نحو بطيء بسبب التأثير الجذاب للطاقة المظلمة. واعتقدوا أن حجم الكون يتضاعف في الوقت الذي تقل فيه كثافة الفراغ، غير أن هذه التخمينات واجهت المتاعب لدى أولئك الذين اعتبروا أن كثافة الطاقة المظلمة لا تتغير تقريبا. وماذا لو استمر التمدد بشكل غير محدد، هل سيعني ذلك أن تلك المجرات الواقعة خارج supercluster ستتحرك إلى ما بعد الأفق الكوني، وبالتالي ستكون غير مرئية، لأن ابتعادها عن سرعة البصر سيكون أكبر من سرعة الضوء. وهذا الانتهاك الأساسي لنظرية النسبية الخاصة. ففي الحقيقة ليس هناك طريقة لwتعريف حتى «السرعة النسبية» في الـ spacetime . لأن السرعة والسرعة النسبية يمكن فقط أن تعرّفا بشكل ذي مغزى في حالة عدم تغيير الـ spacetime أو أن تكون صغيرة بما فيه الكفاية (متناهية في الصغر). ويبقى غير ملموس عمليا أن الكون ينحسر أو يتمدد بحسب هذا السيناريو، لكن من غير المستبعد أنه سيعاني من الموت الحراري في النهاية، وهذا ما بدأت بوادره تظهر منذ ربع قرن.

الطاقة الشبحية
بعض العلماء يقتربون إلى أن «الطاقة الشبحية» تتسبب في توسع الكون وهي القوة الفعالة للطاقة المظلمة، وهي مستمرة في النمو حتى تسيطر على كل القوى الأخرى في الكون. وبناء على هذا السيناريو، فإن الطاقة المظلمة تنظم وضع المنظومة الشمسية مع باقي المجرات بتغلبها على الطاقة الكهربائية والنووية التي تحاول تدمير الذرات وإنهاء الكون.بعض السيناريوهات، مثل النموذج الدوري يقترح مثل هذا الكلام، بينما هذه الأفكار ليست مدعومة بأدلة وتبقى درجتها العلمية مساوية للملاحظات، علما أن أنصارها لم يستثنوا مقاييس التعجيل الحاسمة التي تقرر المصير النهائي للكون في نظرية الانفجار العظيم.
الكون الساكن لآينشتاين
الثبات الكوسموبولتي اقترحه أولا آينشتاين كآلية للحصول على حل مستقر لمعادلته في الجاذبية التي تؤدي إلى كون ساكن. ولم يفصح عن كامل معلوماته ودراسته للطاقة المظلمة التي وضعها عمليا كموازن للجاذبية. العلماء المعاصرون لا يؤمنون بكون آينشتاين الساكن، ولا بموازنته المستقرة لأن هذه الطاقة إما أن تؤدي إلى توسع منفلت أو انكماش مؤذٍ، وهذا التوسع أو الانكماش سيصدر طاقة الفراغ. هذا الاضطراب حتمي بسبب التوزيع غير المستوي لكل شيء في كل أنحاء الكون، فملاحظات أدوين هابل بينت أن الكون يتوسع وهو ليس ساكنا بشكل مطلق، فنظرية الكم أثبتت أن المجالات مختلفة وأن المجال الكهرومغناطيسي لديه قيمة في كل نقطة في الفضاء. وبالمناسبة أشار آينشتاين إلى فشله بشكل علني بعد أن مال إلى فكرة الكون الديناميكي، وترك فكرته غير المؤسسة على إثبات في أن الكون ساكن لفضول التاريخ.

الاثنين، 19 يناير 2009

الجنود الأميركيون في العراق يعانون صداعاً وتلفا في السمع.. وهفوات الذاكرة

علماء الأعصاب يحاولون فهم الأسباب


دراسة أميركية مثيرة أجريت على الجنود الأميركيين الذين أكملوا خدمتهم وعادوا من العراق، أشارت الى أن معظم الذين شاركوا في العمليات الحربية أو تعرضوا لهجمات في العبوات الناسفة، يعانون صداعا مزمنا وتلفا في السمع. وتميل الدراسة الى أن أسباب الصداع تعود الى ما يسمونه «الاضطرابات ما بعد الصدمة»، وهي حالة نفسية تتطور أعقاب الأحداث التي يتعرض لها الشخص وتهدد حياته. كما أن للصدمات ـــ حتى الخفيفة منها ـــ تأثيرا على عمل الدماغ، الأمر الذي يسبب الصداع والغثيان والأرق والهفوات في الذاكرة والكوابيس وفقدان التركيز. ولم تحدد الدراسة الفترة التي يمكن أن تستمر في الحالات التي شخصتها، لكن الباحثين ذكروا أن الارتجاج في الأعراض واضحة، ومن المفترض أن تستمر لعدة أشهر بعد عودة الجنود كحد أدنى، وعامين كحد أقصى.
نسيان غامض
يعلق فورت جاكسون، الذي تعرضت قافلة كان من ضمنها الى عبوة ناسفة على بعد 20 مترا، بأنه كان يظن أن هذه الأعراض تختفي مع مرور الوقت، لكنه يواجه صعوبة في التركيز وبدأت تتراكم عليه الأحداث والأسماء والشخوص الذين نسيهم. يتذكر بحزن فريق البيسبول لذي كان ينتمي اليه في ساوث كارولينا قبل خدمته في العراق، وبدهشة يعلق: «لم أتصور أنني سأنسى أسماء اللاعبين يوما ما.. سأفعل كل شيء لأعيد ذاكرتي». الأطباء المحليون تصعب عليهم معالجة مثل هذه الحالات التي لا تكشفها التحاليل ولا الأجهزة، فيما تتزايد شكاوى آلاف الجنود العائدين، وأغلبها مماثل. وما يحير، أن لا اصابات خطيرة في الرأس او في الدماغ، والتحول في الشخصية أصبح غير عادي، مما يسبب الغموض في التعامل معهم وايجاد طريقة يخرجونهم بها من هذه المتاعب.
دراسة ميدانية
دراسة أخرى اعتمدت على الاحصاء الميداني، بينت أن 62% من الجنود العائدين تعرضوا بشكل مباشر أو كانوا على مقربة من الانفجارات العنيفة، ونسبة من تعرض منهم للأذى الجسدي لم تشكل أكثر من 2%. غير أن الـ 60% الذي سلموا من النار، وقعوا في المصير المجهول للتأثير الجانبي للانفجار، حيث كانت اصابات المخ خفيفة.
تأثير موجات الصدمة
عالمة الأعصاب ايبولا كيرناك المديرة الطبية في مختبر الفيزياء التطبيقية لجامعة هوبكنز، تعتبر واحدة من الباحثين القلائل في الولايات المتحدة الذين يسعون الى معرفة أسباب هذه الظواهر المرضية. وتعتقد كيرناك أن الانفجار قد يكون أكثر من مجرد سبب رئيسي للموت، بل موجات الصدمة تسبب الضغط على موجات متتالية من خلال الأوعية الدموية كموجات المد المصغرة وهذا الاندفاع في الأمواج يلحق الضرر في أنسجة المخ. الكولونيل جيفري لينغ طبيب الأمراض العصبية الذي تعامل مع القوات في كل من أفغانستان والعراق يوافق على تفسير «الصدمة» وتأثيرها في أنسجة المخ. ولينغ الذي يتمتع بشهرة واسعة في مجال بحوثه في علم الأعصاب يرى أن الانفجارات المكثفة تؤدي الى خلق مجالات مغناطيسية تسبب الضرر على خلايا المخ، وهذه متلازمة معروفة بين قدامى المحاربين في المراحل الأولى من عودتهم الى الوطن. واذا كانت الحالة معروفة، فان أكثر ما يطمح اليه لينغ هو معرفة أسبابها الجوهرية: «لأنني لو عرفتها، فمن المحتمل أستطيع منع وجودها».
أموال للبحوث
مع وجود 178000 شخص منتشرين في العراق وأفغانستان وآلاف أخرى تستعد للانضمام اليهم بين الحين والآخر، فان مسألة التمويل تصدح في الكونغرس مجددا. ولغاية نهاية عام 2008 كان الكونغرس قد خصص 300 مليون دولار لأبحاث العلوم الأساسية الخاصة باصابات الدماغ واضطرابات ما بعد الصدمة. وتنشغل المعاهد الأميركية والبريطانية المتخصصة في الاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية بهذه القضية، بحيث تمت الدعوة أخيرا لأكثر من 100 طبيب والاختصاصيين في علوم الاعصاب والنشاط الحيوي لعلماء الفيزياء ومهندسين للبحث عما هو معروف عن الانفجار وتأثيراته المتصلة بإصابات المخ. وزارة الدفاع الأميركية ووكالة مشاريع البحوث المتقدمة خصصت في عام 2008 وحده مبلغ 9 ملايين دولار لإدارة هذه المجموعة من الخبراء بقيادة لينغ لغرض دراسة آثار التفجيرات على الدماغ من بين المواد الكيميائية والتغييرات الهيكلية والأعراض السلوكية الناجمة عنها.




البحث عن حلول
من جهة أخرى، الجنود والأطباء ينتظرون الحصول على إجابات عن الأسئلة المحيرة التي شغلتهم بدءا من التشخيص حتى العلاج. وفوق كل شيء، الجميع حقا يريد أن يعرف فيما إذا كان الانفجار أو من يتعرض له عن بعد أو قرب يسبب الأضرار المباشرة أو يؤدي على المدى البعيد لمشاكل عصبية، كالكمين المنصوب للمحاربين القدامى الذي يبقى يلازمهم العمر كله.
الخطر الكامن
نحو 97% من الجنود الاميركيين الجرحى في العراق الذين عادوا إلى ديارهم بقوا على قيد الحياة. ومعدل البقاء على قيد الحياة هو أعلى مما كان عليه في أي حرب أخرى، وإلى حد كبير بفضل التحسينات في الدروع الواقية للجسد والسترات والخوذ التي ترتديها اليوم القوات الأميركية، وإجراءات الإجلاء والرعاية الطبية الميدانية والثابتة. هذه الإجراءات أنقذت الجنود من الرصاص والشظايا، ولكن المتاعب كانت تستمر معهم حتى لو عولجت أجسادهم من الإصابات المباشرة للانفجارات.
طرق عديدة للإصابة
هناك طرق عديدة لأن يعتبر الشخص تعرض فيها للإصابة.. فانفجار قنبلة سيحول المواد إلى ضغط الغازات وسيتوسع جدار الصوت عدة مرات بقوة الرياح وأحيانا يبدو كالإعصار. والانفجار سيترك الموجات التي تترك الفراغ أعقابها، هذا الفراغ الذي يؤدي إلى الضغط الذي يمزق بدوره طبلات الأذن ويؤذي الرئتين. أنها تأثيرات بالغة الخطورة كالتي تفعلها الشظايا والحطام وما تسببها من أضرار.
الجروح الخفية
في تقرير بعنوان «الجروح الخفية» أعدته مؤسسة راند للأبحاث جاء فيه أن 19،5% من بين 320 ألف جندي (من مجموع القوات البالغ 1،64 مليون جندي) أرسلوا إلى العراق وأفغانستان قد يعانون صدمات إصابة المخ. ومن المستحيل تحديد عدد أولئك الذين أصابهم الضرر الفعلي. ويشير التقرير إلى أن التشخيص سيتطلب المزيد من الاختبارات، لا سيما أن 57% منهم لم يسبق لهم أبدا أن خضعوا لعمليات التقييم الطبي في مجال صدمات الدماغ: «لدينا واحد من كل خمسة جنود يرجح إصابتهم بصدمة المخ، ونحن لا نعرف ما يعنيه ذلك من حيث العاهات والاحتياجات في المستقبل».تقول تيري تانيلاين المشرفة على إعداد هذا التقرير: «غير معروف حقا ما الذي يقلقهم على وجه التحديد». فمثل هذه الأمراض لا تظهر على مستوى الرنين المغناطيسي والمسح الضوئي والنبض المغناطيسي - الكهربائي. انها النتيجة التراكمية التي تمتد من النهايات العصبية، مثل تأثير الدومينو الكيميائية والتغيرات الجزيئية. فالضرر أصاب خلايا المخ وأدى إلى تعطيل التدفق الطبيعي للمعلومات. وهذا ما يفسر ويمكن وصفه بـ «الطبخ البطيء» في مختبر خلايا المخ التي يمكن أن تؤدي على المدى الطويل إلى تدهور الأنسجة.
أعراض الصدمة جزء من الصعوبة التي تواجه الباحثين والأطباء هو أن الجيش غير معني بقضايا الفرز والاستبيان وحتى في المستشفيات العسكرية، فهم يبذلون جهدهم لمعالجة الإصابات الجسدية في الغالب ولا يوجد لديهم في تلك المناطق متخصصون كبار في تشخيص أعراض الصدمات الخفيفة التي يعانيها المخ. قد ينتبهون إلى الكدمات أو التورم، غير أن الحديث يدور عن إصابات من النادر أن تظهرها الاشعة، وفي كثير من الحالات قد لا يكون هناك جرح يلفت الانتباه لهذه المشكلة. حتى الأطباء تعودوا هذه الأعراض: آلاف الجنود يشكون من الصداع واضطرابات النوم والحساسية من الضوء والضوضاء، فالفسيولوجيا العصبية لا تزال معارفها بطيئة خاصة في المناطق الساخنة. لذلك ليس من المستغرب أن مثل هذه المشاكل غير الملموسة بالتشخيص والأشعة هي التي تؤدي إلى تغييرات تعكر المزاج وتؤدي إلى تحول شامل في الشخصية وتعريض الوظائف المتنوعة للجسد إلى المزيد من المتاعب.



العنصر العاطفي
لا يستبعد ستيفن سكوت الذي يدير عيادة إصابات الدماغ في مستشفى المحاربين القدامى في فلوريدا «العنصر العاطفي» في هذه المشكلة. فلو نظرت إلى قوة الانفجار، لا بد أن تستوقفك الكثير من المعاني التي حملتها غير الأصوات والرعد والنار والشظايا. الالتباس عند سكوت يبدأ في تشخيص ضحايا الانفجار وعدم تحديد أسباب الاضطرابات ما بعد الصدمة، فالتركيز يكون وقتها على الأضرار البدنية، فيما يتراجع الاهتمام بالنفسية والعاطفية. يؤيده غاري أبرامز الذي يرأس مركزا لإعادة تأهيل المحاربين القدامى في سان فرانسيسكو بقوله: «نبذل قصارى جهدنا لنتفهمها»، ويقصد الجوانب النفسية.
من هو السليم؟
ولأن أيا من الذين يعانون هذه المتاعب لا يحملون وثائق تدل على إصابتهم في المخ، فهم يكونون خارج حسبة الاستحقاقات الطبية والرعاية الاجتماعية ويبقون مدى الحياة يحملون هذه الصعوبات كغرامة يدفعونها للحرب التي خاضوها. والمحزن في هذه المشكلة، أن بعض الجنود الذين لا يريد أحد الاعتراف بالمشاكل التي يعانونها، يعادون مجددا إلى ميادين القتال لأنهم في وضع بدني سليم ولم يفقدوا أمعاءهم في الانفجار ولديهم القدرة على ارتداء الملابس والخوذة وحمل السلاح، فهم سليمون من وجهة النظر العسكرية التي لا تأبه كثيرا للنظرة المتخصصة في علوم الأعصاب الدقيقة. ان هؤلاء الجنود بحاجة ماسة إلى برنامج متكامل لإعادة التأهيل يشمل زيارات متواصلة لعيادات الأمراض العصبية والنفسية والعلاج الطبيعي ولا بد أن يشرف على علاجهم أيضا أطباء متخصصون في آلام الاضطرابات النفسية وصدمات الدماغ، فالكثيرون منهم تحولوا إلى مدمني الخمر والمخدرات، لكونها باعتقادهم مساعدات سهلة تبعثر تمزقهم أكثر فأكثر.
المشكلة الحقيقية
وبصرف النظر عن تأخر العلوم العصبية والنفسية في مجال معالجة متاعب الذاكرة وعدم استطاعة التكنولوجيا الحديثة إحداث تقدم في مجال تعزيز الذاكرة، فإن هذه المصاعب قد تفوق الجروح الجسدية والندوب التي تخلفها الشظايا، وإذا كانت الأعصاب تالفة، فهل ينبغي إلقاء اللوم على الصداع! هي قضية معقدة تواجه الطب العسكري والعلوم الطبية ذات الصلة بالمخ وبالتحديد معرفة الأضرار في المقام الأول وأسبابها. علماء الفيزياء التطبيقية منشغلون في دراسة موجات التفجير وتأثير الضغط على موجات المخ، بينما العقيدة العسكرية التقليدية مطمئنة طالما الجمجمة صاحية ومحمية بواسطة الخوذ، أما البلاء الذي تحت الخوذة، فلا يمكن لجهاز قياسه وتدارك أضراره.

«التكنولوجيا الخضراء» تعلن الثورة على المصابيح

تماشيا مع قرارات سابقة للاتحاد الأوروبي لدعم «الطاقة النظيفة» وتشجيع ما يسمونها «التكنولوجيا الخضراء»، يدرس الاتحاد الأوروبي بجدية مشروع منع بيع وتداول واستخدام مصابيح التنغستون التقليدية اعتبارا من العام القادم ولغاية 2012. وبهذا الإجراء سيودع تاريخ التكنولوجيا مصباح توماس إديسون الذي أحدث ثورته الهائلة عام 1879، وستحل محلها مصابيح حديثة تؤدي الغرض ذاته في الإنارة، لكن مع فارق كبير ومهم، وهو توفيرها للطاقة أقل من العادية بخمس مرات وتعد هذه النسبة خارقة بكل المقاييس، لا سيما أنه حسب بعض البلدان، قد يصل التوفير إلى عشر مرات. وبالإضافة إلى التقشف في الطاقة، فان ذلك سيؤدي إلى التغلب على متاعب الحرارة الإشعاعية بمقدار 40% من دون فقدان كفاءة الإنارة.
البلد الأول
ستصبح جمهورية ايرلندا اعتبارا من الأول من مارس 2009 البلد الأول في العالم الذي سيمنع المصباح التقليدي الذي عمـّر أكثر من قرن ليستبدله في المخازن وستجهز رفوفها بالفلورسنت المضغوط ومصابيح الهلوجين والـ «اي دي اس».
أميركا غير مستعدة
وستحذو الولايات المتحدة حذو الاتحاد الأوروبي، لكنها غير مستعدة بالكامل لهذا التحول غير السهل الذي سيكون بطيئا نسبيا وستظهر نتائجه عام 2014 بأفضل تقدير. ويتوقع الخبراء بأن هذه الخطوة تعتبر من أهم الخطوات للمحافظة على البيئة وخاصة أنها لا تحتاج تعقيدات تقنية في البنية التحتية للإنارة، حيث سيتم تصنيع الفلورسنت، بحيث تتواءم قاعدته وحجمه مع كل مثبتات المصابيح القديمة، كما لن يطرأ أي تغيير كبير على أدوات التشغيل.
التدفئة بالكهرباء
ثمة الكثير من دول العالم تعتمد الكهرباء في التدفئة، وفي الشتاء خاصة يلجأ الكنديون على سبيل المثال، إلى تفادي استخدام مصابيح التنغستون التقليدية للحفاظ على جهد كهربائي كاف لتدفئتهم التي تعتبر أهم من الإنارة في المدن التي تعيش وسط الصقيع لأشهر عديدة. لذلك، يكون استبدال المصابيح الحديثة الاقتصادية الاستهلاك للطاقة، وسيلة مثلى لمثل هذه الأماكن.
ثقافة الاستهلاك
وفي حقيقة الأمر، إن استهلاك الكهرباء المتوازن هو ثقافة تحتاج بعض الدراية العلمية. فالطاقة التي تجهز البيوت واحدة، لكن تجد بيتا ما يستهلكها بالشكل الصحيح محافظا على أدنى مستوى من الجهد والحمل، فيما بيت آخر يملك الأجهزة والمساحة نفسها، لكنه في الوقت نفسه يستهلك ضعف جاره. هنا يلعب التعليم وكفاءة الاستخدام دورها، فلو يعلم المرء أن كل قطعة صغيرة لها دورها في المساعدة على الاقتصاد في الطاقة، لأمكن تخفيض الطاقة الكلية بحوالي النصف، لا سيما ان العارفين والحريصين يستخدمون الكهرباء والإنارة بالذات ليس بسبب الحاجة فحسب، بل ارتباطا بالأجواء العامة للتحرك والنشاط داخل البيت، وكذلك تلعب فصول السنة دورها في تمييز هذا الجهاز عن سواه. ثمة بلدان كروسيا وكندا والدول الاسكندنافية تذهب 60% من الطاقة التي تجهز بها البيوت إلى التسخين والتدفئة و20% إلى الإضاءة والباقي للأجهزة التي تعمل على الدوام كالثلاجات والمصاعد الكهربائية والتهوية وغيرها.
ان أساس المشكلة هو استخدام الطاقة بطريقة أكثر كفاءة وفاعلية ويحتاج الأمر بطبيعة الحال معرفة.
التوفير واضح
ان اتجاه الاتحاد الأوروبي ما ان يدخل في حيز التطبيق سيدخر لأوروبا (أو تلك البلدان الأوروبية التي تنفذ القرار بحزم) ما يعادل 12 مليار يورو. وتكفي الدراسة أو التقرير لأن ينفذ هو موافقة البرلمان الأوروبي بدوله الـ 27 لتصبح هذه الدراسة العلمية قانونا.ويبدو أن خبراء الاتحاد الأوروبي جادون في مسعاهم ولن يقف السياسيون عثرة في مخططهم، وكما قال أندريس بيوبغاس المفوض الأوروبي ان من الواضح جدا: «ان هذا الإجراء سيغير الطريقة التي نستهلك بها الطاقة».
لا تغيير في الإضاءة
لو يطبق هذا الإجراء ، فلن تعاني البيوت الأوروبية ( العديد من البلدان سائرة في هذا الاتجاه) تغييرا في نوعية الإنارة، فالمستهلكون سيختارون بين الأبصال المشعة الطويلة أو مصابيح الهلوجين، وبشكل تدريجي لا يتوقع أن يؤثر كثيرا في المستهلك العادي. وتضاف فائدة بيئية كبيرة لهذا التغيير وهي أن المصابيح الجديدة ستخفض من إشعاعات ثاني أكسيد الكربون بنحو 12 مليون طن في السنة وتوفر مكافئ الطاقة لتستفيد منه 11 مليون عائلة أوروبية. سر المصباح
وبالمناسبة، فان المصباح التقليدي علاوة على أنه تقنية قديمة جدا وغير كفء، فأنه يحمل سرا فيزيائيا مؤلما يعرفه التلاميذ، وهو أن أساس استخدامه لكي يولد الضوء، بينما هذا الضوء يستهلك 5% من الطاقة لأن الجزء البسيط من الكهرباء يتدفق في الشعيرات لتوليد الضوء، فيما تذهب الـ 95% ضائعة في توليد الحرارة غير اللازمة، بل والضارة لأنها تحرق الأكسجين في أجواء المنازل والأماكن العامة وتمنح أطنانا من ثاني أكسيد الكربون. في الوقت نفسه، يحاول المشرعون إقناع الشركات المنتجة الأكثر شهرة في صناعة المصابيح مثل Philps و جي اي وOsram لكي توقف إنتاجها بحلول عام 2019 . وسيبدأ معيار المنع ابتداء من مصابيح فئة 75 و 100 و150 واطا التي ستختفي من مخازن البيع بحلول عام 2010 .
خطط المستقبل
وتتوالى خطط العلماء في قضية «الضوء البديل»، مستندين الى الإنارة التي تستخدم في العمليات الجراحية وما يسمونه «الضوء الطبي» وهناك عمل كثير في مجال «ضوء الفرن» قد تظهر بعد سنوات لتطور التكنولوجيا الخضراء في الإنارة، فثمة من اتهمها كسبب في مرض الشقيقة كاسبا تعاطفا إضافيا. هذه الخطط لاقت ترحيبا واسعا من المهتمين والمختصين في شؤون البيئة في العالم، واعتبروها خطوة إيجابية على المعنيين الاستمرار بها، والتخلص من التقنيات القديمة التي تعتمد على الفحم في الاحتراق الذي جعل درجات الحرارة تتمرد على معدلها المعهود. لكن التخلص من الفحم يبدو بعيد المنال، حتى بالنسبة للدول التي وقعت معاهدة كيوتو، لأن اقتصاديات العديد من البلدان تعتمد عليه في الصناعة وليس لها بديل آخر في الوقت الحاضر.
حساب بسيط
في 27 دولة أوروبية هناك 3.6 مليارات وحدة في الوقت الحاضر ومقدار المبيعات في العام يعادل 2.1 مليار مصباح تقليدي. هذه الكميات سيبيعونها علينا ولن يخسروا شيئا بالطبع، لأنهم سيربحون من 5 – 10 مرات ادخارا للطاقة بما يصل إلى 12.4 مليار يورو في العام.
توفير في الفاتورة أيضا
الحملة التي صاحبت المشروع لكي يلاقي دعما من الرأي العام ذكرت بعض الإحصائيات المشجعة للمستهلك، منها أن اعتماد المصابيح الجديدة سيوفر 9 يورو على فاتورة الكهرباء لكل مصباح في السنة ومن الناحية السيكولوجية، فان مصباح الهلوجين من الجيل الجديد يشبه تماما المصابيح القديمة التي تعود الناس عليها وهي متوفرة في المحلات وتستهلك 30% أقل من الكهرباء وعمرها أطول من القديمة مرتين كما أنها لا تحتوي على الزئبق. أما المصابيح اللامعة المضغوطة من طراز «سي أف أل أس» ، فهي الأكثر شهرة حاليا في توفير الطاقة وفيها كفاءة لتستهلك طاقة اقل بنحو 80% من الطراز القديم وكل مصباح من هذا الطراز يمكنه إنقاذ 50 دولارا من جيب المستهلك في السنة. ومتوفر بأحجام واشكال وألوان متنوعة وكذلك قابل للاستجابة مع تقنية التخفيف والتحكم بالإنارة.
الأمم تتعظ
الكثير من البلدان في العالم أخذت الإجراء الأوروبي على محمل الجد، وكلفت فرقا علمية وميدانية للإعداد من أجل تنفيذه، نذكر على سبيل المثال: أستراليا، نيوزيلندا وقبلهما كندا، فيما أعلنت الفلبين أنها ستحدد مبيعات مصابيح التنغستن إلى أقل حد ممكن. ان الحكومات الأوربية ستقوم بخطوة إستراتيجية مهمة في مجال تخفيض استهلاك الطاقة، بمعدل قد يصل الى 70% في أحسن التوقعات.وبلا تأخير، ندعو المختصين والمعنيين في بلداننا، الى البدء بدراسة فائدة الخطوة الأوروبية والإسراع في تنفيذها بلا تردد، نظرا لفوائدها المتشعبة والكثيرة التي نحاول تسليط الضوء على ما نعرف منها.والمثير في الأمر، أن دول الاتحاد الأوروبي التي ستمنع قريبا استخدام مصابيح التنغستن فيها، هي أكثر المصدرين لبلداننا لهذا المنتج، الذي سيكون استخدامه محظورا قانونيا، وستفرض عقوبات حقوقية على المخالفين. وجريا على العادة في تقليد الأوروبيين والغربيين في نواح كثيرة ليست بالضرورة مفيدة لنا، فلنقلدهم هذه المرة بإجراء لا يترك مجالا للشك في صحته، بل أن تأخر أوروبا والولايات المتحدة في تنفيذه كان غريبا.
ترحيب دولي
إذا كان بلد صغير مثل نيوزيلندا، يهدر 660 مليون دولار سنويا على المصابيح المسمومة بأكسيد الكربون، فأنه سيوفر 500 مليون دولار، علاوة على تخلصه من هذا الغاز السام. واستراليا التي في طريقها الى تشريع القانون، ستخفض إشعاعات الكربون بحدود 66%، حسب تصريح وزير البيئة مالكولم تورنبول، وحسب الإحصاءات ، كانت المصابيح الاسترالية تمنح الأجواء 565 مليون طن من الغاز السام في العام الواحد! ودعا رئيس الوزراء الاستراليين الى التنفيذ الفوري لهذا المشروع، وقال ان كل شخص في البلاد مسؤول عن المشاركة لإنجاحه. وبدأت الحملة تتصاعد في الولايات المتحدة لإقرار المشروع الأوروبي في ولاياتها. ففي كاليفورنيا تبناه أعضاء الهيئة التشريعية في الولاية وكذلك في نيو جيرسي اشتدت الدعوة الى تغيير الإضاءة المشعة في المباني الحكومية في غضون ثلاث سنوات.وكان فيديل كاسترو قد أطلق برنامجا مماثلا قبل مشروع الاتحاد الأوروبي بسنتين، حيث أرسل فرقا من الشباب المتطوعين، لاستبدال نوعية الإضاءة في الجزيرة التي كانت تعاني من مصادر الطاقة. ولاحقه في الفكرة صديقه وحليفه الرئيس الفنزويلي هيوغو شافيز، الذي أعلن برنامجه الخاص لتوفير الطاقة، ومنحت حكومته مصابيح الهيلوجين مجانا في عموم البلاد لتدعم فكرتها بالتطبيق. وفي ألمانيا تعتقد المستشارة أنجيلا ميركل أن «كل فرد يمكن أن يقدم مساهمته الخاصة في مشروع المصابيح». وتوقع العرائض في الموقع الإلكتروني لداونينغ ستريت على الرابط التالي: http://petitions.pm.gov.uk/banbadbulbs، تأييدا للمشروع الأوروبي وتدعو بريطانيا للانضمام إليه، معتبرين انه أهم خطوة لترشيد استهلاك الطاقة والمحافظة على البيئة والمناخ. وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة البريطانية، ان كل عائلة لو استبدلت ثلاثة مصابيح من فئتي 60 و 100 واط، ستوفر للدولة طاقة تكفيها لإنارة كل شوارع البلاد. ولكن المتابعين لواقع الحال في بريطانيا، يرون أن المستهلكين لن يلقوا بمصابيحهم في القمامة من دون تعويض، ومناشدة الحكومة لهم لا تنفع من دون سن قوانين صارمة في هذا الشأن.بينما أشارت تقارير الخبراء الإنكليز، إلى أن بريطانيا يمكنها أن تقلل 5 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في العام، لو تبنت مشروع الاتحاد الأوروبي. اليابان بدأت تتحرك في هذا الاتجاه، لكنها كالعادة تحاول ابتكار تقنيات جديدة تناسبها ، قبل إصدار تشريع يمنع استخدام المصابيح التقليدية. ومع الترحيب الدولي الواسع النطاق، برزت أصوات في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، معترضة على تشريع قانون يمنع استخدام المصابيح التقليدية، لأن ذلك يتعارض مع «حقوق الأميركيين في إضاءة بيوتهم كما يريدون».

الأربعاء، 7 يناير 2009

عام 2008 تفوق على كل الأعوام بثانية واحدة.. فما السرّ؟


انتهى عام 2008 من دون أن ينتبه أي منا الى أنه أطول بثانية كاملة وبطولها وعرضها من الأعوام التي سبقته. مثل هذه الأمور تمر علينا كأي خبر طريف نملك حرية تصديقه أو التسامر بشأنه، لكنه بالنسبة للعلماء لا يأخذ أبعاده العاطفية أبدا، فالثانية في المقاييس العلمية زمن ليس بالقليل فهي كافية لأن تنهي كواكب برمتها، كالأرض وتنقل جزيئات الضوء مسافات شاسعة بالمقاييس «الدنيوية» وهي بالفعل قضية حياة أو موت كما اعتبرتها العديد من مراكز البحوث في العالم.

عناصر الوقت
كانت الأمور قبل اختراع «الساعة الذرية» صعبة على العلماء لقياس «الزمن الكوني» وكانت المقاييس العملية لقياس الزمن في الأرض تحددها وحدات الوقت حسب التوقيت العالمي المنسق Coordinated Universal Time بالاتفاق، فيما اليوم توجد حوالي مائتان ساعة ذرية في أكثر من خمسين مختبراً تابعاً للدول التي يعتبرونها كبرى في الكوكب.القياسات أثبتت أن متوسط اليوم في التوقيت الشمسي يزداد طولا كل 500 يوم ويطول ثانية كاملة كل 50 ألف سنة وهي النسبة المتوسطة التي أخذت في نظر الاعتبار ارتفاع مستوى كندا واسكندنافيا بعدة امتار منذ العصر الجليدي الأخير. لذلك، ان ما حصل في عام 2008 لم يكن اختلافاً يخص هذا العام تحديدا، بل هو نتيجة تراكم لاختلاف لفترة زمنية امتدت طوال سنوات القرن العشرين الأخيرة بمعدل 1/500 ثانية، لذا تجمعت الثانية بعد حوالي 500 يوم.

ما التوقيت العالمي المنسق؟
توقيت الـ UTC وهو مختصر «التوقيت العالمي المنسق»، صار مقياسا لما يطلقون عليه «التوقيت الذري» ويستخدم بدوره ثانية متفقاً عليها معروفة، حسب معايير «التوقيت الذري الدولي» TAI وفي حال تراجع سرعة الأرض تتم اضافة «ثوانٍ كبيسة». بمعنى أوضح، ان أي اضطراب في دوران سرعة الأرض يتم تلافيه من ناحية الزمن، بحيث يتوافق الـ UTC مع الـ TAI الى حده الأعلى وعندها يظهر توقيت Z أو «زولو» وهو الناتج عن التدخل المعياري بين التوقيتين.
ما الثانية الكبيسة؟
توقيتنا العالمي المنسق يستند على التقويم «الجورجياني» الذي يقسم اليوم الى 24 ساعة، والساعة الى 60 دقيقة والدقيقة إلى 60 ثانية، وهكذا اعتدنا التعامل مع التوقيت بحيث نعيش يومنا مستغرقين فيه 86400 ثانية. لكن تمر بنا أيام لا نلحظها دائما تحتوي دقيقتها الأخيرة على 59 ثانية وربما 61 ثانية هذه الثانية الحرجة والمشاكسة التي تحذف أو تضاف يسمونها «الثانية الكبيسة»، وليست بالضرورة مرتبطة بسرعة دوران الأرض في ذلك اليوم أو العام، بل هي محاولة لتقريب الوقت العالمي وتوحيده في أغلب الأحيان من قبل الهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية IERS المسؤولة عن التنسيق بين التوقيتات المذكورة التي باشرت نشاطها منذ عام 1972 لتشرف على التعديلات في حجم الثانية بمراقبة حالة الأرض وما حولها من تأثيرات كونية.

توقيت غرينيتش
والهيئة الدولية لدوران الأرض والنظم المرجعية IERS طالبت أخيرا بإلغاء الساعة المعقدة التي لا تزال تحمل مرصد القرن السابع عشر الملكي في أكثر المواقع أهمية في العالم، التي يسمونها ساعة غرينيتش (توقيت غرينيتش أصبح المعيار العالمي للتوقيت في المؤتمر الدولي المنعقد في عام 1884 ) بعد الثورة التي أحدثتها «الساعة الذرية» في ضبط الوقت. ويقول بعض العلماء ان الأوان حان لاستبدال توقيت غرينيتش بالتوقيت الذري الدولي لأن التكنولوجيا الجديدة سمحت للوقت الذري بحساب دقات «النانوسيكند». وربما ستظهر قريبا الساعات الشخصية التي تحمل مؤشر النانوثانية، وهي موجودة على نظاق محدود جدا وسعرها 40 ألف دولار. يقول بعض علماء توقيت غرينيتش: الآن يجب أن يستبدلوا بالوقت الذرّي الدولي — حسب خارج باريس — لأن التقنيات الجديدة سمحت للوقت الذرّي بدقّ تخلص من أسفل الى دقة النانوسيكند.وبالمناسبة، فان العلماء في لندن هم الذين قرروا اضافة الثانية الأخرى لعام 2008 للتعويض عن تباطؤ دوران الأرض. أما القفزة التي أحدثها المرصد الفلكي في غرينيتش منذ عام 1972 والتعديلات التي طرأت على التوقيت، أبقته معياراً مقبولاً عالميا.
أسوأ سنة اقتصادية
والمسألة قبلت التندر الإعلامي ورسومات الكاريكاتير التي ألقت كاهل الثانية التي تأخر فيها عام 2008 الى أسوأ سنة اقتصادية عاشها العالم منذ سنوات الكساد العظيم. الجميع في هذه المداعبات ألمحوا الى أنه لا يمكن النظر الى الثانية كمجرد ثانية، انها لا بد أن تكون اشارة الى شيء أعظم.
جمود الزمن
الجمود الزمني لم يكن ملحوظا بالنسبة للأجيال الانسانية على مر العصور، وحينما كانت الشمس أساس التقويم الانساني منذ عشرات الآلاف من السنين لغاية ظهور أهم مرصد متخصص في هذه المسألة في سانتا كروز فان الساعة ينبغي أن تقارب الـ 12:00 عندما تكون الشمس في أعلى موقع في السماء. أنصار «الوقت الذري» يجادلون في مسألة القفزة التي أحدثتها هذه الثانية العجيبة، لأن أحدا لا يمكنه التكهن بالسرعة المضبوطة لدوران الأرض ولا يمكن التخطيط لها مسبقا وسواء شاءوا أم أبوا كان عليهم اضافة الثانية في آسيا، مثلا أضافوها في منتصف اليوم الأخير لعام 2008.
متاعب الثانية الزائدة
إن هذه الثانية خطيرة بكل المقاييس، لأنها ستشتت عمل الأقمار الاصطناعية ومنظومات الطاقة والاتصالات وشبكات الانترنت وبرامج الموبايلات ومنظومات الملاحة «جي بي اس» ولم يكن ثمة مناص من اهمالها واضافتها على أوقات مختلفة. المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا في كولورادو زود معيار الوقت للحواسيب الضخمة عبر الولايات المتحدة في الخامسة مساء يوم 31 ديسمبر 2008، وكان ينبغي أن يظهر شخص أو منظومة تكون على حق في وقت الأزمات.
متى سيزيد العام ثانية أخرى؟
في وقت ما من القرن الثاني والعشرين سيقفز الزمن ثانية واحدة وتلي ذلك في القرن الخامس والعشرين يرى العلماء أنه ستتم قفزة بمقدار 4 – 5 ثوان. وفي هذا القرن حسب المستقبل المنظور، فان القفزة القادمة ستكون عام 2013 وبدأت المؤسسات الاذاعية وشركات الاتصال والطيران والانترنت التهيؤ لهذه القفزة.
ما الوقت الذرّي؟
ولكي يدرك العامة ماهية الوقت الذري لكي يكونوا معه أو ضده، فهو مقياس للوقت استند على تردد مقداره 9,192,631,770 هيرتز تحدده الساعات الذرية بفضل قياسها عناصر الهيدروجين والروبيديوم والثانية سيحددها الوقت الذي تمضيه مليارا دورة اشعاعية بين المستويين المداريين شديدي الدقة، لذرة السيزيوم 133 وهذا الوقت الذي يسجله شعاع السيزيوم يسمى الوقت الذري. (السيزيوم أحد النظائر المشعة). الاكتشاف الأول له كان عام 1967 وأعيد تعريفه عام 1972 وأصبحوا يطلقون عليها الثانية الذرية.
كيف تعمل الساعة الذرية؟
ولعل ساعة شعاع السيزيوم تعمل ويستقر وقتها استنادا الى سلوك الذرات والتردد الدقيق الذي يسمح لها بالمرور من حالة طاقة الى أخرى. والسيزيوم عادة ما يكون ساخنا في الفراغ وينتج الغاز ويفصل ما بين ذراته حقول مغناطيسية ذات طاقة عالية، عبارة عن إشعاع يتحكم في ذبذبة الارسال بسيطرة من بلورة الكوارتز حتى تصل الاشعاعات بشكل مؤمن الى الكاشفات التي تسجل الوقت. هذا النوع من الساعات كما يقولون، يفقد أو يكسب ثانية واحدة كل مليون سنة!
أين يستخدمون الساعات الذرية؟
في هذه الأثناء يستخدمون التوقيت الذري والساعات الذرية في المرصد البحري الأميركي وفي بعض المختبرات الأميركية ذات المهام الخاصة وفي المختبر الوطني للفيزياء في بريطانيا ومراكز بحثية في فرنسا وروسيا واليابان وألمانيا.
الانتقال الى الزمن الذري
لكن ما يميز المجتمع الفلكي الأميركي حياده الرسمي أمام الاقتراحات في نقل الوقت ليصبح ذريا، ولكن الصعوبة في تهيئة الساعات الذرية عبر كل المناطق في العالم، الذي يملك 200 منها أغلبها في مختبرات ومراصد الولايات المتحدة. كما أنها مسألة ثقافية جوهرية، أن يترك الانسان بعد عشرات الآلاف من السنين التوقيت الشمسي ليلجأ إلى التوقيت الذري الذي لا يفقهه العامة الذين ينظرون الى الشمس ويدركون الوقت التقريبي.