الأحد، 28 ديسمبر 2008

رحلة البحث عن حقيقة تشكل الكواكب


لم تزر بلوتو الذي يتحرك في مداره الاهليجي أي مركبة فضائية، وحتى التلسكوب هابل تمكن من حل المميزات الرئيسية له فحسب. ويبدل بلوتو أماكنه مع نبتون كل 248 سنة، وسجلت آخر حالة تبديل المواقع في فبراير الماضي عندما عبر بلوتو مدار نبتون وأصبح التاسع تاركا المركز الثامن للأخير. وبفضل التلسكوب العملاق هابل تمكن العلماء اخيرا من تفسير حالة السطوع التي تختلف من وقت لآخر على سطح الكوكب، ليس بسبب الحفر الكثيرة عليه فحسب، بل لتأثير صقيع النيتروجين والميثان والمناطق المستوية التي تكثر فيها المواد العضوية، وهذه المنطقة الجليدية تعتبر الأكثر غموضا بالنسبة للعلماء. لا أحد يعرف هذه المركبات، وللسبب ذاته عملت ادارة الطيران والفضاء الأميركية «ناسا» على تشكيل مجموعة عمل ضخمة منذ فترة طويلة (منذ الستينات عملت وكالة ناسا برنامج اكتشاف كواكب المجموعة الشمسية ولم يلغ تقرير مؤتمر الفلكيين بالغاء صفة كوكب عن بلوتو أي شيء في هذا البرنامج الذي سيساعد العلماء في فهم الطريقة التي تتشكل بها الكواكب)، أعدت مسبارا فضائيا مجهزا بشكل كاف لاستكشاف بلوتو وقمره أطلقت عليه اسم الآفاق الجديدة «New Horizon» لدراسة حزام كايير (هذه المنطقة الأبعد في المنظومة الشمسية، وتتكون من آلاف الأجسام الصخرية الجليدية و100 ألف غرام قطر الواحد منها 100 كيلومتر على الأقل، بما في ذلك كويكبات لم تتطور الى وضع كواكب) والمناطق الغامضة التي يعتقد أنها تحتوي على مواد تكونت عندما خلق النظام الشمسي منذ حوالي 4،6 مليارات سنة واحدة من مهام هذه المسبار، ارسال الصور التي ستلتقطها 7 كاميرات والبيانات للمركز الأرضي لدراستها وتحليلها. ويعتبر مسبار الآفاق الجديدة. المنطلق من مركز المراقبة والتحكم بماريلاند، الأسرع الذي أطلقته «ناسا» طوال تاريخها، حيث سيخترق المدارات الكونية بسرعة 58 ألف كيلومتر في الساعة، وزود بأجهزة ادامة وطاقة تكفيه للبقاء في العمل لنحو 10 سنوات (تولد الطاقة فيه ذاتيا باستخدام مادة البلوتونيوم).
مراحل «الآفاق الجديدة»
- الانطلاق الأول كان على متن الصاروخ Atlas V بسرعة 58 ألف كيلومتر في الساعة.
- وصل الى القمر بعد 9 ساعات.
- سيصل بعد 13 شهرا الى المشتري.
- بالقرب من المشتري سيواجه ظاهرة «المصيدة»، وتكون سرعة المسبار 65 كيلو متر في الساعة.
- سيعبر المسبار مدار زحل. - في مارس 2011 سيعبر المسبار مدار أورانس.
- في 15 يوليو 2015 سيحلق على مسافة 10 آلاف كلم من بلوتو.
- يلتقط الصور المطلوبة بسبع آلات تصوير ثم يعود الى الأرض.
- رحلة المسبار ستقطع 9 مليارات كيلومتر عن الأرض.
- تكلفت صناعته 700 مليون دولار.
- استخدمت تقنية لمعادلة الجاذبية الأرضية للمشتري لزيادة سرعة المسبار.
وبذلك، فان العلماء سينتظرون طوال هذه السنوات لكي يحصلوا على المعلومات والصور المطلوبة.
بلوتو الغامض
يذكر أن المسبار حمل معه رفات مكتشفه كلايد تومبايغ، الذي رصده عام 1930 بحضور أرملته لحظة الانطلاق، في حين اكتشف القمر التابع له عام 1978، قبل أن يوفق مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز من ايجاد قمر آخر جار لهما. والجدل على بلوتو شغل اتحاد الفلكيين والعلماء كثيرا، فهو اصغر من الأرض بنحو 6 مرات وابتعاده عن الشمس يجعله غارقا في ظلام دامس بشكل دائم. وتركيبه مجهول وأكثر ما يشغل العلماء الآن عودة مسبار «الآفاق الجديدة» بنجاح ليحللوا صوره ويعرفوا تركيبته التي يتوقعون أنها خليط من 70% صخور و 30% تريتون جامد وبعض النيتروجين وأول أوكسيد الكربون والميثان والأمونيا. يدور بلوتو حول الشمس مرة كل 247،7 سنة على مبعدة 5،91 مليارات كيلومتر بمدار غريب الأطوار ويشترك مع الأرض والزهرة والمريخ بصغره قياسا للكواكب العملاقة زحل وأورانوس ونبتون المعروفة بالتسمية «عمالقة الغاز» التي تملك أقطارا تصل الى 48 ألف كيلومتر. وطبقا لابتعاد الكواكب عن الشمس تصنف بـ«الكواكب الداخلية» وهي القريبة، و«الكواكب الخارجية» هي البعيدة عن الشمس التي يدخل ضمنها بلوتو مع عمالقة الغاز المذكورة.
صعوبات وإنجازات
طوال سنتين عمل علماء مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز مع «ناسا» لتنفيذ مشروع «الآفاق الجديدة» على أن يجنوا ثماره بعد عام 2015، معتبرين ان أصعب مهام المسبار ستكون عندما يقترب من المشتري ويدخل في منطقة حزام كليبر حسب تصريح العالم أندرو تشينغ من مختبر الفيزياء التطبيقية، الذي يعتقد أن الاصطدامات في حزام كليبر ستختلف في شروطها عن المتغيرات التي تطرأ على المسبار عندما يقترب من بلوتو لأن التركيبة تختلف وكذلك الأجواء.. وهو جهد كبير بدأ قبل 20 سنة نظريا حتى ان التصاميم التي قدمت وأجريت عليها التعديلات لكثرتها والمناقشات المطولة التي نتج عنها الجزء النظري من هذا المشروع العلمي الكبير. واشتركت جامعة هاواي في تصميم آلات التصوير والشاشات في مركز المراقبة ووفقوا إلى حد كبير للتوصل إلى دقة مقدارها 8192 كي بي، لكل جزيئة وهو ما يناسب الأجسام حسب قطر بلوتو 1/3 rd، فحسب ديفيد جويت، فان التكنولوجيا كانت تسمح لهم بفحص جزء صغير جدا لا يتعدى قطره 800 كيلومتر فقط.لذلك، فان المجموعات العلمية في العالم أجمع تنتظر بشغف نجاح رحلة المسبار، لأنهم جميعا لا يملكون صورا مقربة لبلوتو، وعليه فهم لم يجيبوا بعد عن الأسئلة الأساسية الخاصة به، بل حتى البسيطة كتركيبه الرئيسي ومميزاته الفيزيائية التقليدية الأخرى والرقع والحفر الغامضة فيه وما تأثيره في الأشعة الكونية ومواده العضوية، وهناك المزيد من الأسئلة التي تتالت على العلماء منذ 78 سنة تاريخ اكتشافه الأول وحتى الآن. كما أن مسبار «الآفاق الجديدة» أول مرسل أرضي إلى منطقة حزام كليبر، وتعقد المجموعات الفلكية عليه الآمال لمساعدتهم في حل لغز تشكيل الكواكب ومنها الأرض، مع ملاحظة الحسابات المترتبة على قرار اتحاد الفلكيين سحب منزلة الكوكب من بلوتو الذي أصاب العلماء والجمهور بالاحباط، وعلى هذا الأساس يمكن اختصار رحلة مسبار «الآفاق الجديدة» كمحاولة للبحث عن الحقيقة، حقيقتنا المجهولة والغامضة.
مكونات المسبار
يحتوي المسبار الذي يبلغ وزنه أقل من نصف طن بقليل على مولدات كهروحرارية تعمل بالنظائر المشعة، توفر الطاقة الكهربائية من الاضمحلال الاشعاعي الطبيعي لـ11 كلغن من البلوتونيوم – 238. وفيه جهاز لمقياس الطيف لتحليل الغلاف الجوي يعمل بالأشعة فوق البنفسجية وجهاز للتخطيط التصويري بالأشعة تحت الحمراء لتركيب السطح وحرارته وجهاز لتحديد موقع المسبار عبر مراقبة النجوم وجهاز للاستطلاع التصويري البعيد المدى لتسجيل بيانات جيولوجية وجهاز لقياس الرياح الشمسية، عدا احتوائه على الأجهزة التقليدية المكونة للمسبار الفضائي الذي يخوض رحلات طويلة المدى زمنيا ومكانيا.


كيف حصل على هذا الاسم؟
نظرا لابتعاده عن الشمس وحلول الظلام الدائم فيه، فقد قرر المجمع الفلكي تسميته «بلوتو» نسبة إلى إله الظلام الروماني، وساعد في ذلك وجود الحرفين: «ب» و«ل» نسبة إلى بيرسفال لويل مؤسس المرصد الذي عمل فيه السيد كلايد تومبايغ مكتشف بلوتو والمتوفى عام 1997. مميزاتالسنة على بلوتو تعادل 248 سنة على الأرض وقطره يساوي 2080 كيلومترا، لذلك أسماه مؤتمر اتحاد الفلكيين الأخير «الكوكب القزم». ولزيادة التشبيه لو كانت الأرض بحجم كرة القدم، فان حجم بلوتو يكون بحجم كرة المنضدة. لا يمكن أن يُرى بواسطة تلسكوب تقليدي من الأرض ويحتاج إلى مرصد عملاق بحجم تلسكوب هابل الذي استطاع التقاط صور له لأكثر من مناسبة. سطحه مظلم وبارد جدا، فلا ضوء فيه ولا حرارة ويعتقد العلماء أن درجة حرارته تصل إلى 200 تحت الصفر، لذلك فأن كل شيء يجمد فيه ومن الطبيعي أن الحياة، كما في الأرض، مستبعدة للغاية عليه. مداره الإهليجي يميل بمقدار 17 درجة عن دوران النظام الشمسي، ولسنوات طويلة اعتقد العلماء أن بلوتو لم يكن سوى قمر تابع لنبتون وربما مقذوف منه لاتباع مساره الإهليجي نحو الشمس، لكن الدراسات الحديثة أشارت إلى أن ديناميكية بلوتو ونبتون لا تؤكد جدية هذا السيناريو.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق